بكل صراحة وبشكل مباشر أقول إنني أشعر بالقلق حين أفكر
في المرحلة اللاحقة لإمارة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد وإمارة سمو
ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد حفظهما الله ورعاهما. حاولت تجاهل هذا القلق، وقاومت
الكتابة حوله أكثر من مرة تجنبا لسوء الظن وغيره من ردود سلبية. إلا أنني في
النهاية قررت التعبير عن قلقي في هذا المقال، فقد يتبين أنني قد أفرطت في التفكير،
أو يتبين أنني لست وحيدا وأن هناك من يشاركني القلق، فنفكر سويا بحثا عن أفضل
السبل لإزالة أسباب القلق العام، إن وجد، تحقيقا للمصلحة العليا للكويت.
على أية حال،،،
تختلف الروايات حول الأسباب التي دفعت الشيخ عبدالله
السالم الصباح، قبل أكثر من 60 عام، إلى الانتقال من حكم فردي مطلق إلى حكم دستوري
يوفر قدر من المشاركة الشعبية في القرار. قد تكون الأسباب ضغط الانجليز، أو الخشية
من الاطماع العراقية، أو "حادثة أم صدة" عام 1957، أو الخوف من تكرار
أحداث عامي 1938، 1939.
لكن هناك رواية،
تبدو لي ساخرة لكنها محتملة، تقول إن الشيخ عبدالله "التفت يمين ويسار" مناظرا
"عيال عمه"، فتأكد له ضرورة تثبيت إمارة ذرية مبارك في دستور تعاقدي
مقابل منح الشعب قدر من المشاركة في القرار تحصينا لتلك الإمارة.
ويمكن القول إن إمارة ذرية مبارك الصباح كانت قد استقرت
في يقين أهالي الكويت قبل الدستور، وآية ذلك ترشيح أهالي الكويت، في وثيقة عام
1921 بعد وفاة الشيخ سالم بن مبارك، ثلاثة من ذرية مبارك الصباح للإمارة. ومع ذلك
فإنه من المعقول القول إن عبدالله السالم شعر، أيا كانت أسبابه، بالحاجة إلى تثبيت
إمارة ذرية مبارك الصباح في دستور تعاقدي بهدف ضمان التزام كافة فروع أسرة الصباح
والشعب بها.
ومما لا شك فيه أن فكرة تثبيت إمارة ذرية مبارك الصباح
في دستور 1962 عززت شرعية تلك الإمارة في نطاق أسرة الصباح وحصنتها. وقد تجلت الثمرة
الكبرى للدستور بمجمل أحكامه، بالنسبة لذرية مبارك وللكويت، في مؤتمر جدة عام 1990
إبان الغزو العراقي للكويت.
ومنذ انطلاق العمل بالدستور في العام 1963 وإلى يومنا
الحاضر لم تتعرض إمارة ذرية مبارك الصباح إلى أي اهتزاز جدي ناتج عن أسباب داخلية،
حتى أنه في أيام الحراك الشعبي الكبير بين عامي 2009 و2012، والذي توجس منه بعض
الشيوخ ومن مآله وأثره على إمارتهم، حرصت الشخصيات الوطنية التي تحدثت في الساحات العامة
مرارا على تأكيد "الولاء" لذرية مبارك الصباح. ومن ذلك، قول السيد أحمد
السعدون في أحد خطاباته موجها حديثه للمرحوم الشيخ صباح الأحمد أمير البلاد آنذاك "
حنا حراس قصرك"، ومن ذلك أيضا قول السيد مسلم البراك "لو ما بقي إلا طفل
واحد من آل صباح سنربيه ونكبره ونحطه حاكم".
وعلى الرغم من ثبات ولاء الشعب لإمارة ذرية مبارك الصباح
وارتباطه بها، فإن هذا لم يمنع ظهور مطالبات هنا وهناك لتبني نظام برلماني كامل
(الإمارة الدستورية) عوضا عن النظام الحالي المختلط. وكان من بين أسباب ظهور تلك
المطالبات تدني مستوى أداء الشيوخ في رئاسة الحكومة وفي المناصب الوزارية وتدهور
الأوضاع العامة وتراجع الأداء العام في الدولة على كافة الأصعدة.
وعودة إلى زمن الشيخ عبدالله السالم.. فحين قرر الشيخ
عبدالله وضع دستور للبلاد، كان حوله عدد كبير من شيوخ ذرية مبارك.. كان هناك، على
سبيل المثال، صباح السالم، جابر العلي، سالم العلي، جابر الأحمد، صباح الأحمد، مبارك
الحمد، مبارك عبدالله الأحمد، محمد الأحمد، سعد العبدالله. وكان بعضهم يعارض فكرة
الدستور، إلا أن شخصية عبدالله السالم كانت قوية، وكان حازما في مواجهة بعض
"عيال عمه" الذين عارضوا فكرة النظام الدستوري.
أما من غير أسرة الصباح، فقد كان هناك "رجال
دولة" كان لهم دور مؤثر في إعداد الدستور مثل عبداللطيف ثنيان الغانم، حمود
الزيد الخالد، يعقوب الحميضي، أحمد الخطيب، عبدالعزيز الصقر، يوسف المخلد وغيرهم
كثير ممن كانوا يقولون للشيخ "غلطان طال عمرك"!
وبعد وفاة الشيخ عبدالله السالم عام 1965 تسلم
"شباب الأسرة" آنذاك زمام الأمور، وأولهم كان الشيخ صباح السالم الذي
استمرت إمارته نحو 13 عام. وقبيل وفاته، بدأت الخلافات تدب بين بعض شيوخ ذرية
مبارك حول ولاية العهد القادمة، وكان التنافس بين جابر العلي وصباح الأحمد. وفي
سبيل إضعاف فرصة جابر العلي، تم حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور كي
لا تعرض ولاية العهد على المجلس ليتم حسمها داخل ذرية مبارك. وقد آلت ولاية العهد
إلى سعد العبدالله.
وفي عهد الشيخ جابر الأحمد، الذي استمرت إمارته نحو 29
عام، سيطرت الخلافات بين الشيخ سعد العبدالله والشيخ صباح الأحمد على كل تفاصيل
الحياة السياسية في البلاد إلى حين عزل الشيخ سعد من الإمارة لأسباب صحية.
أما عن "رجال الدولة" حول الشيوخ في الفترة
بين بداية إمارة صباح السالم ونهاية إمارة جابر الأحمد، فقد تغيرت "المعايير
والمقاييس" وغابت الاستقلالية وتداخلت المصالح وضعفت القدرة على قول
"غلطان طال عمرك" وحل محلها قاعدة "لا تكدرون الشيخ"!
أما الشيخ صباح الأحمد فقد هيمنت شخصيته
على القرار على مستوى ذرية مبارك وعلى البلاد. وفي نهاية إمارة الشيخ صباح، التي
استمرت نحو 14 عام، لم يبق على قيد الحياة من أبناء الشيخ أحمد الجابر سوى صاحب
السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد حفظهما
الله.
أما عن "رجال الدولة" في عهد الشيخ صباح
الأحمد، فقد اختفت تلك الفئة من داخل قصر الحكم ومحيطه أيضا، وتم الإتيان بفئة تقول
للشيخ "نعم نعم صحيح صحيح طال عمرك" حتى لو قال الشيخ إن الشمس أشرقت اليوم
من الغرب!
ومن بعد أبناء الشيخ أحمد الجابر قد تنتقل الإمارة، إذا
انحصرت في غصن آل أحمد من فرع آل جابر، إلى أحفاد الشيخ أحمد، أي أحفاد أحفاد
مبارك، وأكبرهم الشيخ ناصر المحمد الأحمد (83). وهناك أبناء الشيخ جابر الأحمد، وهناك
أيضا الشيخ أحمد عبدالله الأحمد (72). أما من "الشباب" فهناك الشيخ أحمد
نواف الأحمد (67) والشيخ أحمد فهد الأحمد (60) والشيخ طلال خالد الأحمد (57)، والشيخ
أحمد مشعل الأحمد (52).
أما إذا أتيح
المجال لغصن آل حمود من فرع آل جابر، فإن الشيخ أحمد الحمود (72) يظهر على
القائمة.
أما إذا فتح
الباب أمام فرع آل سالم فهناك الشيخ علي سالم العلي (73) وهناك الشيخ محمد صباح
السالم (68).
وفيما لو أتيح
المجال لأحفاد الشيخ مبارك من ابنه الشيخ عبدالله فهناك الشيخ محمد عبدالله
المبارك (52).
وإذا فتح المجال
أمام فرع آل حمد فهناك الشيخ جابر المبارك الحمد (81) والشيخ صباح الخالد الحمد (70)
والشيخ محمد الخالد الحمد (68).
ولو أتيح المجال
لفرع آل ناصر بن مبارك، فهناك الشيخ خالد العبدالله الصباح (53).
ولست هنا بصدد حصر أسماء الشيوخ ممن قد تكون لديهم فرصة
لتولي المسؤولية مستقبلا، فحتما هناك غير من ذكرت، لكن هذه الأسماء هي التي تخطر على
البال، بحكم نشاطها السياسي، أو الإعلامي، أو الاجتماعي، أو بحكم الوظيفة. ومن
الأسماء السابقة (نخبة المستقبل) ومن غيرها سيخرج "أمراء وأولياء عهد ورؤساء
حكومة ووزراء وحكماء"... لكن بينها أيضا قد يدور التنافس.
وأيا كان مآل
كراسي المسؤولية في المستقبل، فقد آن الأوان أن يلتفت الشيوخ، ونحن معهم، "يمين
يسار" لنلقي جميعا نظرة على "نخبة المستقبل" من ذرية مبارك. فإذا
كان عبدالله السالم قد التفت، كما يقال، قبل الدستور بوجود أولئك الشيوخ الأشداء،
وبوجود رجال دولة لهم كلمة فتوجس وقرر وضع الدستور، فما أحوجنا اليوم، ونحن وسط
هذا "الكرنفال" السياسي، إلى التفاتة شبيهة لنقرر معا أفضل السبل لتحصين
إمارة ذرية مبارك وضمان استقرار الدولة. فالمستقبل قد لا يكون مريحا، فنحن لا
نستطيع التكهن بمسارات التنافس بين فريق "النخبة" ولا حدوده ولا أدواته.
ومن المهم هنا أن أكرر القول إنني لا أشعر بالقلق بوجود
صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد ومعه سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد
حفظهما الله، لكنني حتما أشعر بالقلق حين أفكر في المرحلة اللاحقة لهما.
والآن: كيف يمكن تحقيق التحصين الكامل لإمارة ذرية
مبارك؟
هل يكون ذلك من
خلال نظام الإمارة الدستورية مثلا؟ أم يكون من خلال انتقال الإمارة عموديا (من
الأب إلى الابن) وهو الأصل في إمارة آل صباح؟ أم هناك وسائل أخرى للتحصين؟
إن الإمارة الدستورية وكذلك الانتقال العمودي للإمارة لا
يحتاجان إلى تعديل الدستور ولا قانون توارث الإمارة.
شخصيا لا أملك فكرة واضحة قابلة للنشر الآن، لكن ما
يتملكني هو شعور غير مريح بشأن المستقبل، فرغبت في نشر هذا المقال لتحفيز القراء،
أيا كانت توجهاتهم، للتفكير في الأمر.
إن الغاية هي ضمان
استقرار الإمارة وتجديد قدرتها على مواجهة أخطار المستقبل.