عند وفاة الشيخ سالم بن مبارك الصباح عام 1921، كان
الشيخ أحمد الجابر في السعودية. وكان أهالي الكويت قد عزموا على تغيير أسلوب الحكم،
فاتفقوا فيما بينهم على أن تكون الإمارة بين ثلاثة من ذرية مبارك الصباح وهم أحمد
الجابر، حمد المبارك، عبدالله السالم، وأن يتم تشكيل مجلس شورى.
ويقول المرحوم خالد العدساني في مذكراته: "...
فأجمعوا أمرهم على مطالبة أحمد (أي الشيخ أحمد الجابر) بتشكيل (مجلس شورى) منهم
فبعثوا إليه وفدا من كبار رجالاتهم لمقابلته في اليخت التجاري العائد من سواحل
الجزيرة والراسي في الكويت، قبل نزوله إلى البر، ليعرضوا عليه مطالبهم. وقد أسرع
إليه قبلهم رجال الحاشية يكشفون له ما أجمع عليه الكويتيون، وينصحونه بالموافقة على
تلبية مطالبهم كيلا يبايعوا ابن عمه الشيخ عبدالله بن سالم الصباح...". وقد
وافق الشيخ أحمد الجابر على مطالب أهل الكويت وتأسس أول مجلس شورى في تاريخ الكويت.
طموح الحكم هو دائما "الخاصرة الرخوة" في كيان
الشيخ الطامح، واليوم في الكويت هناك أكثر من شيخ طامح، وأكثر من "خاصرة
رخوة". إن علينا أن نستغل "الشيخ الطامح" من أجل تحقيق مكاسب
سياسية جوهرية لصالح الشعب.
في هذا المقال أخصص الحديث عن الشيخ أحمد الفهد، كنموذج
من جهة، ولكونه أحد أبرز "شيوخ الطموح" حاليا.
ويجدر القول إن
للشيخ أحمد الفهد مكانة خاصة لدى قطاع عريض من الشعب، وهو محبوب جدا، ومتواضع وله
علاقات اجتماعية متشعبة، ومن يعرفه وتعامل معه لا شك ينتبه إلى تمتعه بمميزات شخصية
تجذبك إليه. ولا يخفى على أحد أنه حين سعى الشيخ صباح الأحمد رحمه الله إلى معاقبة
الشيخ أحمد عبر إجباره على الاعتذار العلني في التلفزيون، كانت النتيجة أن كسب
الشيخ أحمد تعاطفا شعبيا يناقض ما كان خصوم الشيخ أحمد يأملون. وعلى المستوى
الشخصي فأنا لا أخفي إعجابي بشخصيته، لكن ليس بمواقفه السياسية طبعا.
إن طموح الشيخ أحمد ظاهر للكافة، وهو يعيش الآن في
"الفرصة الثالثة"، ويدرك أنها قد تكون الأخيرة إذا أخفق كما فعل في
السابق.
فضلا عن ذلك، فإن "قاعدة السن" في إسناد
المناصب العليا داخل ذرية مبارك الصباح لا تسعفه لأن بعض شيوخ ذرية مبارك يكبرونه
في العمر ولديهم أيضا طموح الحكم. كما أن هناك ما يمكن اعتباره "تقليد"
تاريخي مفاده أنه لا يستلم إمارة الكويت إلا من كان والده أميرا، وإن كان هذا مجرد
تقليد لا قيمة له، إلا أنه غير متحقق في حالة الشيخ أحمد، كما أن للشيخ أحمد خصوم
لا يستهان بهم من بين "عيال عمامه" وخارج أسرة الصباح.
لذلك هو يعتمد
كليا، في البقاء السياسي والصعود، على رصيده الشعبي وعلاقاته السياسية والاجتماعية
لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أنه لا يوجد في سجله السياسي انجازات حقيقية تذكر إبان
توليه وزارات (الإعلام، النفط، الصحة)، ناهيك عن مواقفه السابقة ضد الإصلاح
السياسي، مثل مشروع الدوائر الخمس، حيث كان هو والسيد محمد ضيف الله شرار والشيخ
محمد عبدالله المبارك يشكلون ثلاثي بغرض "تكتكة" إسقاط المشروع.
باختصار يحتاج الشيخ أحمد الفهد اليوم إلى "مركبة
سياسية" يتخطى بها عوائق الوصول إلى مبتغاه. وليكن تمرير مشروعات الإصلاح
السياسي، بالنسبة للشعب، هي "المركبة" التي تنقل الشيخ أحمد إلى مواقع
متقدمة مستقبلا.
إن الشيخ أحمد الفهد الآن هو "الخاصرة الرخوة"
التي يمكن الضغط عليها لتحقيق مكاسب سياسية، آخذين في الاعتبار أنه يهمه جدا
استقرار الوضع السياسي الراهن وإثبات نجاحه.
إن الفرصة سانحة أمام النواب لاستغلال الظروف وتمرير
مشروعات الإصلاح المهمة من خلال الشيخ أحمد الفهد. لذلك فإن الحذر واجب من وقوع
النواب، لاسيما الجدد، في "غرام" الشيخ أحمد، والحذر من الوقوع في فخ
"تسهيل المعاملات". وعلى النواب التزام التقييم الموضوعي للشيخ أحمد
وليس التقييم العاطفي. فكونه "حباب ومتواضع" لا يعني حتما أنه وزير صالح!
بل من خلال التجارب السابقة، أرى وجوب تكثيف الرقابة البرلمانية عليه كوزير
للدفاع، ومراقبته بأسلوب "مان تو مان".
إن على النواب استغلال طموح الشيخ أحمد لتحقيق الإصلاح
الشامل عوضا عن استغلاله هو لهم لتحقيق أحلامه. عليه أن يشعر أنه لا يمكنه الصعود
إلا إذا كان مؤيدا وداعما لمشروعات الإصلاح السياسي.
وبالطبع يمكن للشيخ أحمد أن يسلك مسلكه السابق ويبتعد عن
المسار الشعبي، وهو يعرف ذلك المسلك جيدا. لقد كان الشيخ أحمد "مستر فكسر"
للشيوخ، وكان يعمل على "تضبيط" هذا وذاك آملا انتزاع اعتراف القيادة
السياسية بقدراته وبالتالي إزالة العقبات عن طريقه. إلا أن مسار "مستر
فكسر" السابق كاد أن يدمر مستقبله، وأظن أنه يدرك الآن أن الخدمات التي قدمها
لعمه الشيخ صباح الأحمد رحمه الله لم تشفع له، لذلك فإن خيار "تضبيط
نفسه" مع الشعب هو الخيار الأجدى له. وليس من الذكاء أن يغامر في إهدار شعبيته
ومحبة الناس له بالوقوف ضد مشروعات الإصلاح السياسي مجددا.
ختاما، إذا كان تعيين ولي العهد، من الناحية النظرية
الدستورية، هو عملية مشتركة بين الأمير ومجلس الأمة، فالأمير يزكي ومجلس الأمة
يقرر، فإن هناك رسالة يجب أن تصل إلى جيل الشيخ أحمد ومن يليه من الشيوخ مفادها أن
زمن الوصول إلى ولاية العهد عبر القواعد التقليدية يجب أن ينتهي،
وأن "الحبابة" وحدها لا تكفي، ولابد لكل شيخ طامح إدراك أن عليه
العبور عبر مشروع إصلاح سياسي حقيقي.
ولو أفل نجم
الشيخ أحمد الفهد لأي سبب، وظهر شيخ آخر لديه طموح حكم، فعلينا أن نستخلص منه ثمن
طموحه.
وبعبارة أخرى،
على الشيخ الطموح، أحمد أو غير أحمد، أن يدفع فاتورة الإصلاح السياسي الشامل مقابل
تحقيق طموحه... مقدما و"قبل نزوله إلى البر"!