عضوية النائب خلف دميثير
بسم الله الرحمن الرحيم
رأي فني
حول تأثير الحكم الصادر في القضية رقم
(1775/2004 جنايات، 698/2004 مباحث )
على استمرار عضوية النائب خلف دميثير في مجلس الأمة
أثار الحكم الذي صدر من محكمة التمييز بتاريخ.. في القضية المعروفة باسم "قضية بنك بوبيان" نقاشا مهما حول تأثير ذلك الحكم على استمرار عضوية النائب خلف دميثير في مجلس الأمة. وكانت محكمة التمييز قد أصدرت حكمها برفض الطعن المقدم إليها وأيدت الحكم الصادر من محكمة الاستئناف العليا والتي قررت الامتناع عن النطق بعقاب عدد من المتهمين في تلك القضية من بينهم النائب المذكور.
وقبل بيان الرأي القانوني في المسألة محل البحث، يجدر التنويه إلى أن تقرير استمرار أو سقوط عضوية هذا النائب أو ذاك هي مسألة قانونية بحتة لا مكان فيها للرأي السياسي. كما يجب الإقرار بأنه، ومن خلال محاولة تقصي الموقف القانوني المحايد والبحث في النصوص وأحكام القضاء، اتضح لي أن التنظيم القانوني للمسألة محل البحث ليس سلسلا، وأن الوصول إلى رأي فيها يتطلب بحثا في أكثر من قانون وفي أحكام القضاء وإعمال المنطق والاستنتاج والمقارنة والقياس، وهو ما يدعوني إلى تمني قيام المشرع بإعادة تنظيم شاملة لموضوع سقوط العضوية.
هذا ويجدر في البداية تقديم عرض موجز لوقائع الجريمة التي رأت المحكمة أن النائب خلف دميثير قد ارتكبها، وكذلك تحديد النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة المباشرة بالمسألة المعروضة، وتقديم شرح مبسط لبعض الاصطلاحات والمفردات المتداولة في هذه الدراسة. بعد ذلك سوف أعرض بإيجاز وجهة النظر القائلة باستمرار عضوية النائب خلف دميثير، ثم أعرض وجهة نظري المخالفة لها.
أولا: الوقائع
أسندت النيابة العامة إلى عضو مجلس الأمة النائب خلف دميثير وغيره أنهم:
"ارتكبوا وآخر مجهول تزويرا في أوراق بنكية هي طلبات الاكتتاب في أسهم بنك بوبيان المبينة أرقامها بالكشوف المرفقة بالأوراق المنسوب صدورها إلى البنك التجاري الكويتي فرع مبارك الكبير بقصد استعمالها على نحو يوهم بأنها مطابقة للحقيقة وذلك بأن اصطنعوا طلبات الاكتتاب آنفة البيان بملئ بياناتها بما يفيد أنها قدمت عن طريق الفرع سالف الذكر على غرار الطلبات الصحيحة التي تقدم من خلاله ودونوا بها أرقام الحسابات التي أعدت لهذا الغرض بعد أن تسلموها من المتهمين الرابع عشر والخامس عشر بناء على طلب المتهم التاسع وقدموها إلى مجهول من بين موظفي البنك سالف الذكر الذي وقع عليها بتوقيعات نسبها زورا إلى جمعة الزير الموظف المختص بتلقي طلبات الاكتتاب بفرع مبارك الكبير "الفرع الرئيسي" وذيلها بأختام مصطنعة نسبها زورا إلى ذلك الفرع خلافا للحقيقة التي أعدت المحررات لإثباتها وهي تقديم تلك الطلبات من خلال الفرع الرئيسي وقيام الموظف المختص بالتحقق من شخصية مقدم الطلب وأن توقيعه المذيل على الطلب يطابق نموذج توقيعه المحفوظ لدى البنك وخصم قيمة الأسهم المكتتب بها من حسابه لديه، وكانت تلك المحررات بعد تغيير الحقيقة فيها صالحة لأن تستعمل على هذا النحو..".
وبتاريخ 5/4/2009 حكمت محكمة أول درجة ببراءة جميع المتهمين. استأنفت النيابة العامة الحكم الابتدائي أمام محكمة الاستئناف التي أصدرت حكمها بتاريخ 25/1/2010 بإلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من براءة بالنسبة لبعض المتهمين، ومن بينهم النائب خلف دميثير، وقررت الامتناع عن النطق بعقابهم على أن يقدم كل منهم تعهدا بكفالة مالية قدرها 5000 دينار يلتزم فيه بحسن السلوك لمدة سنتين. وقد أيدت محكمة التمييز لاحقا حكم محكمة الاستئناف.
هذا ومما يجدر الانتباه إليه أن النيابة العامة، وبخلاف ما جرى عليه العمل، لم تطعن على الحكم أمام محكمة التمييز، وهو الأمر الذي ساعد المتهمين ومنع محكمة التمييز من تشديد العقوبة.
ثانيا: النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة:
يتطلب البحث الموضوعي للمسألة المطروحة الاطلاع على النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة المباشرة. وفيما يلي عرض لتلك النصوص:
(أ) المادة (82) من الدستور وتنص على أنه "يشترط في عضو مجلس الأمة: 1ـ ... 2ـ أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب. 3ـ ... 4ـ ....
(ب) المادة (2) من قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة: "يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة إلى أن يرد إليه اعتباره".
(ت) المادة (50) من قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة: "تسقط العضوية عن عضو مجلس الأمة إذا فقد أحد الشروط المشترطة في العضو أو تبين أنه فاقدها قبل الانتخاب، ويعلن سقوط العضوية بقرار من المجلس.
(ث) المادة (2) من لائحة مجلس الأمة: "يشترط في عضو مجلس الأمة: أـ ... ب ـ أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب. ج ـ ... د ـ ...
(ج) المادة (3) من لائحة المجلس: "... وتثبت صفة النيابة للعضو من وقت إعلان انتخابه حتى نهاية مدة المجلس ما لم تزل عنه تلك الصفة قبل ذلك لأي سبب قانوني".
(ح) المادة (16) من لائحة المجلس: "إذا فقد العضو أحد الشروط المنصوص عليها في المادة 82 من الدستور أو في قانون الانتخاب أو فقد أهليته المدنية سواء عرض له ذلك بعد انتخابه أو لم يعلم إلا بعد الانتخاب أحال الرئيس الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه، وعلى اللجنة أن تستدعي العضو المذكور لسماع أقواله إذا أمكن ذلك على أن تقدم تقريرها في الأمر خلال أسبوعين على الأكثر من إحالته إليها. ويعرض التقرير على المجلس في أول جلسة تالية وللعضو أن يبدي دفاعه كذلك أمام المجلس على أن يغادر الاجتماع عند أخذ الأصوات، ويصدر قرار المجلس في الموضوع في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ عرض التقرير عليه. ولا يكون إسقاط العضوية إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس باستثناء العضو المعروض أمره، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة بالاسم ويجوز للمجلس أن يقرر جعل التصويت سريا".
(خ) المادة (1) من قانون عدم إثبات السابقة الأولى: "فيما عدا الأحكام الصادرة من محكمة أمن الدولة والأحكام الصادرة في الجرائم المنصوص عليها في المادتين 31، 32 من القانون رقم 74 لسنة 1983 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، لا يثبت في الشهادة التي يطلبها المحكوم عليه عن السوابق الجزائية الأحكام التالية: 1ـ الأحكام التي رد اعتباره عنها قضاء. 2ـ الحكم الصادر في أية جريمة بالغرامة أو بالحبس أو بهما أو بالوضع تحت مراقبة الشرطة وذلك بشرط عدم صدور حكم آخر بأية عقوبة سابقة على هذا الحكم مما يحفظ عنه في صحيفة بقلم السوابق بإدارة تحقيق الشخصية وأن تكون العقوبة قد نفذت ما لم تكن قد سقطت بمضي المدة أو بالعفو عنها. 3ـ الأحكام الصادرة بالامتناع عن النطق بالعقاب أو بوقف تنفيذ العقوبة. ويستثنى من ذلك الشهادات التي يطلبها راغبوا الترشيح لعضوية المجالس النيابية أو للمجالس البلدية أو لوظيفة الوزير أو للوظائف القيادية في الدولة أو لوظيفة المختار، فتثبت فيها جميع الأحكام".
ثالثا: شرح بعض الاصطلاحات
(1) الامتناع عن النطق بالعقاب: وفقا للمادة (81) من قانون الجزاء، فإنه "إذا اتهم شخص بجريمة تستوجب الحكم بالحبس، جاز للمحكمة، إذا رأت من أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام، أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب..". أي أن امتناع المحكمة عن النطق بعقاب المتهم لا يتم إلا إذا انتهت المحكمة إلى إدانة المتهم وإلى ثبوت ارتكابه الجريمة. وبالتالي فإن الامتناع عن النطق بعقاب المتهم لا يعني البراءة بل هو إدانة. ويعرف الامتناع عن النطق بالعقاب بأنه من قبيل تخفيف العقوبة.
(2) عقوبة جناية: هي العقوبة بالحبس مدة تزيد على 3 سنوات.
(3) الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة: لم يرد في القانون تعريف محدد لهذه الجرائم، إلا أن محكمة التمييز وضعت لها تعريفا عاما هو: "أن يكون الجرم من الأفعال التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع تفقد مرتكبها الثقة أو الاعتبار أو الكرامة وفقا للمتعارف عليه في مجتمعه من قيم وآداب بما لا يكون معه الشخص أهلا لتولي المناصب العامة مع الأخذ في الاعتبار ظروف كل حالة على حدى بحسب الظروف والملابسات التي تحيط بارتكاب الجريمة والباعث على ارتكابها".
(الطعن بالتمييز رقم 615/1997 تجاري بتاريخ 21/6/1999)
رابعا: الرأي القائل باستمرار عضوية النائب خلف دميثير
يرى البعض أن الحكم الجزائي الصادر بإدانة النائب خلف دميثير في جريمة تزوير لا يؤثر على استمرار عضويته في مجلس الأمة. وهم يسندون رأيهم هذا على أساس أن المادة 82 من الدستور والمادة 2 من لائحة مجلس الأمة نصتا على أنه يجب أن تتوافر في عضو مجلس الأمة شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب وبذلك لا يحرم من الانتخاب سوى من حكم عليه بعقوبة جناية أو حكم عليه في جريمة مخلة بالشرف أو بالامانة إلى أن يرد إليه اعتباره، وأن عقوبة الامتناع عن النطق بالعقاب ليست عقوبة جناية فلا ينطبق بشأنه نص قانون الانتخاب في الحرمان من الترشيح أو الانتخاب. ويضيف أنصار هذا الرأي أنه سبق للمحكمة الدستورية أن حسمت هذا الأمر في الطعن الانتخابي ضد النائب مبارك الوعلان الذي كان مدانا في جناية بالغرامة، وأن المحكمة انتهت في تفسيرها للنص الذي ورد بلفظ «الإدانة عقوبة جناية» ولم يقل جناية فقط أي أن الإدانة وإن كانت في الحبس تشكل جناية ما لم تكن تتجاوز الحد الأدنى لعقوبة الجناية، أي ثلاث سنوات وما فوق، فلا يكون الحكم مما يوفر حالة من حالات الحظر المنصوص عليها في الترشح أو تولي الخدمة العامة..". (المحامي دوخي الحصبان، جريدة الوطن، العدد الصادر بتاريخ 13 مارس 2011).
خامسا: الرأي القائل بسقوط عضوية النائب خلف دميثير
أميل شخصيا إلى تبني الرأي القائل بسقوط عضوية النائب خلف دميثير بعد أن تمت إدانته بارتكاب جريمة التزوير وذلك للأسباب التالية:
يحاول من يرى استمرار عضوية النائب خلف دميثير التحصن خلف فكرة أن إسقاط العضوية عن النائب خلف دميثير يتطلب صدور حكم "بعقوبة جناية"، أي عقوبة مقيدة للحرية لمدة تزيد على 3 سنوات، ويذهب أنصار هذا الرأي إلى أن محكمة الاستئناف لم تحكم "بعقوبة جناية مقيدة للحرية"، وبالتالي فإنه لا يفقد عضويته. ويغفل أصحاب هذا الرأي أن سقوط العضوية يمكن أن يتحقق لسبب آخر وهو أن يدان عضو المجلس في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة. وهنا لا أهمية لنوع للعقوبة، أي سواء كانت عقوبة مقيدة للحرية أو بالغرامة المالية. كما أن تقرير المحكمة الامتناع عن النطق بالعقاب هو إدانة. وحيث أن المادة (2) من قانون الانتخاب تقرر أنه "يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة إلى أن يرد إليه اعتباره"، فإن النائب خلف دميثير يكون قد فقد شروط الناخب منذ صدور حكم محكمة الاستئناف بتاريخ 25/1/2010 حالة كونه أدين في جريمة ماسة بالشرف والأمانة. ولا يستطيع أحد المجادلة بأن تقرير الامتناع عن النطق بالعقاب لا يعتبر إدانة، فمن المقرر أن الامتناع عن النطق بعقاب المتهم هو مجرد تخفيف على المتهم تلجأ إليه المحكمة، بعد أن يثبت لديها أن المتهم ارتكب الجريمة يقينا، إذا رأت أن مبرراته متوفرة. وهذا التخفيف لا يعني البراءة إطلاقا.
أما عن تعريف الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة، فلم يرد في القانون تعريف محدد لهذه الجرائم، إلا أن محكمة التمييز وضعت لها تعريفا عاما هو: "أن يكون الجرم من الأفعال التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع تفقد مرتكبها الثقة أو الاعتبار أو الكرامة وفقا للمتعارف عليه في مجتمعه من قيم وآداب بما لا يكون معه الشخص أهلا لتولي المناصب العامة مع الأخذ في الاعتبار ظروف كل حالة على حدى بحسب الظروف والملابسات التي تحيط بارتكاب الجريمة والباعث على ارتكابها.
(الطعن بالتمييز رقم 615/1997 تجاري بتاريخ 21/6/1999)
ومن هذا التعريف يمكن القول أن جريمة حيازة سلاح بغير ترخيص التي أدين بها من قبل النائب مبارك الوعلان لا تعتبر من الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة، لذلك فإنه لا مجال هنا للمقارنة بين جريمة التزوير في أوراق بنكية وجريمة حيازة سلاح بغير ترخيص.
وإذا عدنا إلى وقائع الجريمة التي ارتكبها النائب خلف دميثير حسب حكم محكمة الاستئناف نجد أنها حتما من تلك الجرائم التي تفقد مرتكبها الثقة والاعتبار. فحكم المحكمة يشير إلى أنه تم تزوير 29947 طلب اكتتاب تشمل عدد 152531 مكتتب بينهم من توفى قبل الاكتتاب، وأن الطلبات المزورة تتضمن أرقام حسابات بنكية غير حقيقية، وأن خصم قيمة الأسهم المكتتب بها كان يتم من حسابات بعض المتهمين ومن بينهم المتهم العاشر (النائب خلف دميثير). وقد رأت محكمة الاستئناف أنه " وبعد أن اكتتب المتهمون من الأول حتى الحادي عشر بالحصة المقررة لهم أرادوا أن يفوزوا بأكبر عدد من الأسهم بأية وسيلة كانت ولتحقيق ذلك قدموا طلبات عدد 29947 طلب منسوب صدورها إلى البنك التجاري فرع مبارك الكبير بأسماء أشخاص آخرين لا تربطهم بهم صلة وأثبت فيها بيانات تفيد كذبا وخلافا للحقيقة أنها قدمت من خلال الفرع سالف الذكر ودونت بها أرقام حسابات صورية غير مدرجة بسجلات البنك الرئيسية..".
رأي فني
حول تأثير الحكم الصادر في القضية رقم
(1775/2004 جنايات، 698/2004 مباحث )
على استمرار عضوية النائب خلف دميثير في مجلس الأمة
أثار الحكم الذي صدر من محكمة التمييز بتاريخ.. في القضية المعروفة باسم "قضية بنك بوبيان" نقاشا مهما حول تأثير ذلك الحكم على استمرار عضوية النائب خلف دميثير في مجلس الأمة. وكانت محكمة التمييز قد أصدرت حكمها برفض الطعن المقدم إليها وأيدت الحكم الصادر من محكمة الاستئناف العليا والتي قررت الامتناع عن النطق بعقاب عدد من المتهمين في تلك القضية من بينهم النائب المذكور.
وقبل بيان الرأي القانوني في المسألة محل البحث، يجدر التنويه إلى أن تقرير استمرار أو سقوط عضوية هذا النائب أو ذاك هي مسألة قانونية بحتة لا مكان فيها للرأي السياسي. كما يجب الإقرار بأنه، ومن خلال محاولة تقصي الموقف القانوني المحايد والبحث في النصوص وأحكام القضاء، اتضح لي أن التنظيم القانوني للمسألة محل البحث ليس سلسلا، وأن الوصول إلى رأي فيها يتطلب بحثا في أكثر من قانون وفي أحكام القضاء وإعمال المنطق والاستنتاج والمقارنة والقياس، وهو ما يدعوني إلى تمني قيام المشرع بإعادة تنظيم شاملة لموضوع سقوط العضوية.
هذا ويجدر في البداية تقديم عرض موجز لوقائع الجريمة التي رأت المحكمة أن النائب خلف دميثير قد ارتكبها، وكذلك تحديد النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة المباشرة بالمسألة المعروضة، وتقديم شرح مبسط لبعض الاصطلاحات والمفردات المتداولة في هذه الدراسة. بعد ذلك سوف أعرض بإيجاز وجهة النظر القائلة باستمرار عضوية النائب خلف دميثير، ثم أعرض وجهة نظري المخالفة لها.
أولا: الوقائع
أسندت النيابة العامة إلى عضو مجلس الأمة النائب خلف دميثير وغيره أنهم:
"ارتكبوا وآخر مجهول تزويرا في أوراق بنكية هي طلبات الاكتتاب في أسهم بنك بوبيان المبينة أرقامها بالكشوف المرفقة بالأوراق المنسوب صدورها إلى البنك التجاري الكويتي فرع مبارك الكبير بقصد استعمالها على نحو يوهم بأنها مطابقة للحقيقة وذلك بأن اصطنعوا طلبات الاكتتاب آنفة البيان بملئ بياناتها بما يفيد أنها قدمت عن طريق الفرع سالف الذكر على غرار الطلبات الصحيحة التي تقدم من خلاله ودونوا بها أرقام الحسابات التي أعدت لهذا الغرض بعد أن تسلموها من المتهمين الرابع عشر والخامس عشر بناء على طلب المتهم التاسع وقدموها إلى مجهول من بين موظفي البنك سالف الذكر الذي وقع عليها بتوقيعات نسبها زورا إلى جمعة الزير الموظف المختص بتلقي طلبات الاكتتاب بفرع مبارك الكبير "الفرع الرئيسي" وذيلها بأختام مصطنعة نسبها زورا إلى ذلك الفرع خلافا للحقيقة التي أعدت المحررات لإثباتها وهي تقديم تلك الطلبات من خلال الفرع الرئيسي وقيام الموظف المختص بالتحقق من شخصية مقدم الطلب وأن توقيعه المذيل على الطلب يطابق نموذج توقيعه المحفوظ لدى البنك وخصم قيمة الأسهم المكتتب بها من حسابه لديه، وكانت تلك المحررات بعد تغيير الحقيقة فيها صالحة لأن تستعمل على هذا النحو..".
وبتاريخ 5/4/2009 حكمت محكمة أول درجة ببراءة جميع المتهمين. استأنفت النيابة العامة الحكم الابتدائي أمام محكمة الاستئناف التي أصدرت حكمها بتاريخ 25/1/2010 بإلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من براءة بالنسبة لبعض المتهمين، ومن بينهم النائب خلف دميثير، وقررت الامتناع عن النطق بعقابهم على أن يقدم كل منهم تعهدا بكفالة مالية قدرها 5000 دينار يلتزم فيه بحسن السلوك لمدة سنتين. وقد أيدت محكمة التمييز لاحقا حكم محكمة الاستئناف.
هذا ومما يجدر الانتباه إليه أن النيابة العامة، وبخلاف ما جرى عليه العمل، لم تطعن على الحكم أمام محكمة التمييز، وهو الأمر الذي ساعد المتهمين ومنع محكمة التمييز من تشديد العقوبة.
ثانيا: النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة:
يتطلب البحث الموضوعي للمسألة المطروحة الاطلاع على النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة المباشرة. وفيما يلي عرض لتلك النصوص:
(أ) المادة (82) من الدستور وتنص على أنه "يشترط في عضو مجلس الأمة: 1ـ ... 2ـ أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب. 3ـ ... 4ـ ....
(ب) المادة (2) من قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة: "يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة إلى أن يرد إليه اعتباره".
(ت) المادة (50) من قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة: "تسقط العضوية عن عضو مجلس الأمة إذا فقد أحد الشروط المشترطة في العضو أو تبين أنه فاقدها قبل الانتخاب، ويعلن سقوط العضوية بقرار من المجلس.
(ث) المادة (2) من لائحة مجلس الأمة: "يشترط في عضو مجلس الأمة: أـ ... ب ـ أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب. ج ـ ... د ـ ...
(ج) المادة (3) من لائحة المجلس: "... وتثبت صفة النيابة للعضو من وقت إعلان انتخابه حتى نهاية مدة المجلس ما لم تزل عنه تلك الصفة قبل ذلك لأي سبب قانوني".
(ح) المادة (16) من لائحة المجلس: "إذا فقد العضو أحد الشروط المنصوص عليها في المادة 82 من الدستور أو في قانون الانتخاب أو فقد أهليته المدنية سواء عرض له ذلك بعد انتخابه أو لم يعلم إلا بعد الانتخاب أحال الرئيس الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه، وعلى اللجنة أن تستدعي العضو المذكور لسماع أقواله إذا أمكن ذلك على أن تقدم تقريرها في الأمر خلال أسبوعين على الأكثر من إحالته إليها. ويعرض التقرير على المجلس في أول جلسة تالية وللعضو أن يبدي دفاعه كذلك أمام المجلس على أن يغادر الاجتماع عند أخذ الأصوات، ويصدر قرار المجلس في الموضوع في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ عرض التقرير عليه. ولا يكون إسقاط العضوية إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس باستثناء العضو المعروض أمره، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة بالاسم ويجوز للمجلس أن يقرر جعل التصويت سريا".
(خ) المادة (1) من قانون عدم إثبات السابقة الأولى: "فيما عدا الأحكام الصادرة من محكمة أمن الدولة والأحكام الصادرة في الجرائم المنصوص عليها في المادتين 31، 32 من القانون رقم 74 لسنة 1983 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، لا يثبت في الشهادة التي يطلبها المحكوم عليه عن السوابق الجزائية الأحكام التالية: 1ـ الأحكام التي رد اعتباره عنها قضاء. 2ـ الحكم الصادر في أية جريمة بالغرامة أو بالحبس أو بهما أو بالوضع تحت مراقبة الشرطة وذلك بشرط عدم صدور حكم آخر بأية عقوبة سابقة على هذا الحكم مما يحفظ عنه في صحيفة بقلم السوابق بإدارة تحقيق الشخصية وأن تكون العقوبة قد نفذت ما لم تكن قد سقطت بمضي المدة أو بالعفو عنها. 3ـ الأحكام الصادرة بالامتناع عن النطق بالعقاب أو بوقف تنفيذ العقوبة. ويستثنى من ذلك الشهادات التي يطلبها راغبوا الترشيح لعضوية المجالس النيابية أو للمجالس البلدية أو لوظيفة الوزير أو للوظائف القيادية في الدولة أو لوظيفة المختار، فتثبت فيها جميع الأحكام".
ثالثا: شرح بعض الاصطلاحات
(1) الامتناع عن النطق بالعقاب: وفقا للمادة (81) من قانون الجزاء، فإنه "إذا اتهم شخص بجريمة تستوجب الحكم بالحبس، جاز للمحكمة، إذا رأت من أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام، أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب..". أي أن امتناع المحكمة عن النطق بعقاب المتهم لا يتم إلا إذا انتهت المحكمة إلى إدانة المتهم وإلى ثبوت ارتكابه الجريمة. وبالتالي فإن الامتناع عن النطق بعقاب المتهم لا يعني البراءة بل هو إدانة. ويعرف الامتناع عن النطق بالعقاب بأنه من قبيل تخفيف العقوبة.
(2) عقوبة جناية: هي العقوبة بالحبس مدة تزيد على 3 سنوات.
(3) الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة: لم يرد في القانون تعريف محدد لهذه الجرائم، إلا أن محكمة التمييز وضعت لها تعريفا عاما هو: "أن يكون الجرم من الأفعال التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع تفقد مرتكبها الثقة أو الاعتبار أو الكرامة وفقا للمتعارف عليه في مجتمعه من قيم وآداب بما لا يكون معه الشخص أهلا لتولي المناصب العامة مع الأخذ في الاعتبار ظروف كل حالة على حدى بحسب الظروف والملابسات التي تحيط بارتكاب الجريمة والباعث على ارتكابها".
(الطعن بالتمييز رقم 615/1997 تجاري بتاريخ 21/6/1999)
رابعا: الرأي القائل باستمرار عضوية النائب خلف دميثير
يرى البعض أن الحكم الجزائي الصادر بإدانة النائب خلف دميثير في جريمة تزوير لا يؤثر على استمرار عضويته في مجلس الأمة. وهم يسندون رأيهم هذا على أساس أن المادة 82 من الدستور والمادة 2 من لائحة مجلس الأمة نصتا على أنه يجب أن تتوافر في عضو مجلس الأمة شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب وبذلك لا يحرم من الانتخاب سوى من حكم عليه بعقوبة جناية أو حكم عليه في جريمة مخلة بالشرف أو بالامانة إلى أن يرد إليه اعتباره، وأن عقوبة الامتناع عن النطق بالعقاب ليست عقوبة جناية فلا ينطبق بشأنه نص قانون الانتخاب في الحرمان من الترشيح أو الانتخاب. ويضيف أنصار هذا الرأي أنه سبق للمحكمة الدستورية أن حسمت هذا الأمر في الطعن الانتخابي ضد النائب مبارك الوعلان الذي كان مدانا في جناية بالغرامة، وأن المحكمة انتهت في تفسيرها للنص الذي ورد بلفظ «الإدانة عقوبة جناية» ولم يقل جناية فقط أي أن الإدانة وإن كانت في الحبس تشكل جناية ما لم تكن تتجاوز الحد الأدنى لعقوبة الجناية، أي ثلاث سنوات وما فوق، فلا يكون الحكم مما يوفر حالة من حالات الحظر المنصوص عليها في الترشح أو تولي الخدمة العامة..". (المحامي دوخي الحصبان، جريدة الوطن، العدد الصادر بتاريخ 13 مارس 2011).
خامسا: الرأي القائل بسقوط عضوية النائب خلف دميثير
أميل شخصيا إلى تبني الرأي القائل بسقوط عضوية النائب خلف دميثير بعد أن تمت إدانته بارتكاب جريمة التزوير وذلك للأسباب التالية:
يحاول من يرى استمرار عضوية النائب خلف دميثير التحصن خلف فكرة أن إسقاط العضوية عن النائب خلف دميثير يتطلب صدور حكم "بعقوبة جناية"، أي عقوبة مقيدة للحرية لمدة تزيد على 3 سنوات، ويذهب أنصار هذا الرأي إلى أن محكمة الاستئناف لم تحكم "بعقوبة جناية مقيدة للحرية"، وبالتالي فإنه لا يفقد عضويته. ويغفل أصحاب هذا الرأي أن سقوط العضوية يمكن أن يتحقق لسبب آخر وهو أن يدان عضو المجلس في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة. وهنا لا أهمية لنوع للعقوبة، أي سواء كانت عقوبة مقيدة للحرية أو بالغرامة المالية. كما أن تقرير المحكمة الامتناع عن النطق بالعقاب هو إدانة. وحيث أن المادة (2) من قانون الانتخاب تقرر أنه "يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة إلى أن يرد إليه اعتباره"، فإن النائب خلف دميثير يكون قد فقد شروط الناخب منذ صدور حكم محكمة الاستئناف بتاريخ 25/1/2010 حالة كونه أدين في جريمة ماسة بالشرف والأمانة. ولا يستطيع أحد المجادلة بأن تقرير الامتناع عن النطق بالعقاب لا يعتبر إدانة، فمن المقرر أن الامتناع عن النطق بعقاب المتهم هو مجرد تخفيف على المتهم تلجأ إليه المحكمة، بعد أن يثبت لديها أن المتهم ارتكب الجريمة يقينا، إذا رأت أن مبرراته متوفرة. وهذا التخفيف لا يعني البراءة إطلاقا.
أما عن تعريف الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة، فلم يرد في القانون تعريف محدد لهذه الجرائم، إلا أن محكمة التمييز وضعت لها تعريفا عاما هو: "أن يكون الجرم من الأفعال التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع تفقد مرتكبها الثقة أو الاعتبار أو الكرامة وفقا للمتعارف عليه في مجتمعه من قيم وآداب بما لا يكون معه الشخص أهلا لتولي المناصب العامة مع الأخذ في الاعتبار ظروف كل حالة على حدى بحسب الظروف والملابسات التي تحيط بارتكاب الجريمة والباعث على ارتكابها.
(الطعن بالتمييز رقم 615/1997 تجاري بتاريخ 21/6/1999)
ومن هذا التعريف يمكن القول أن جريمة حيازة سلاح بغير ترخيص التي أدين بها من قبل النائب مبارك الوعلان لا تعتبر من الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة، لذلك فإنه لا مجال هنا للمقارنة بين جريمة التزوير في أوراق بنكية وجريمة حيازة سلاح بغير ترخيص.
وإذا عدنا إلى وقائع الجريمة التي ارتكبها النائب خلف دميثير حسب حكم محكمة الاستئناف نجد أنها حتما من تلك الجرائم التي تفقد مرتكبها الثقة والاعتبار. فحكم المحكمة يشير إلى أنه تم تزوير 29947 طلب اكتتاب تشمل عدد 152531 مكتتب بينهم من توفى قبل الاكتتاب، وأن الطلبات المزورة تتضمن أرقام حسابات بنكية غير حقيقية، وأن خصم قيمة الأسهم المكتتب بها كان يتم من حسابات بعض المتهمين ومن بينهم المتهم العاشر (النائب خلف دميثير). وقد رأت محكمة الاستئناف أنه " وبعد أن اكتتب المتهمون من الأول حتى الحادي عشر بالحصة المقررة لهم أرادوا أن يفوزوا بأكبر عدد من الأسهم بأية وسيلة كانت ولتحقيق ذلك قدموا طلبات عدد 29947 طلب منسوب صدورها إلى البنك التجاري فرع مبارك الكبير بأسماء أشخاص آخرين لا تربطهم بهم صلة وأثبت فيها بيانات تفيد كذبا وخلافا للحقيقة أنها قدمت من خلال الفرع سالف الذكر ودونت بها أرقام حسابات صورية غير مدرجة بسجلات البنك الرئيسية..".
وبناء على ما سبق، يمكن الجزم بسقوط عضوية النائب خلف دميثير بسبب إدانته
في ارتكاب جريمة تزوير في أوراق بنكية، وهي من الجرائم الماسة بالشرف
والأمانة حتما. ويترتب على ارتكابها حرمان مرتكبها من حق الانتخاب وبالتالي
الترشيح، وهو ما يؤدي إلى سقوط عضوية النائب. أما عن إجراءات إعلان سقوط
العضوية فقد نظمتها المادة (16) من لائحة المجلس المشار الواردة أعلاه.