متطلبات تطوير وإصلاح النظام السياسي والدستوري
مؤتمر التآزر الوطني
النظام السياسي والدستوري
الورقة الثانية: متطلبات تطوير وإصلاح النظام السياسي والدستوري
محمد عبدالقادر الجاسم*
23 مارس 2009
• ماجستير في القانون الدستوري
مقدمة
مهما بلغت مثالية التنظيم الدستوري للنظام السياسي، فإن العبرة هي بالتطبيق، فإن صلحت النوايا وتلاقت الأهداف في بيئة واعية راقية، فإن التنظيم النظري، حتى لو كان قاصرا، لا يشكل عائقا أمام الإدارة الحسنة للدولة. وفي الكويت تظهر بين حين وآخر دعوات لتعديل بعض نصوص الدستور تحت راية تطوير أو إصلاح العمل البرلماني. وبالنسبة لي، فإنني أرى أن هذه الدعوات تكشف عن نظرة قاصرة غير متعمقة تستند على ظاهر الأمور لا على حقيقتها، وهي تنطلق من تشخيص منحرف للواقع السياسي.
إن التنظيم الدستوري للنظام السياسي الكويتي تنظيم متوازن أقيم على المبادئ التي كانت سائدة في المجتمع القديم التي "تفرض مشاركة الشعب في اختيار الحاكم وترفض الاستبداد. كما تفرض على الحاكم مشاورة الشعب وترفض القمع والتسلط، بل تأبى ما هو أقل من ذلك كالانفراد في القرار حتى وإن لم يكن مقترنا بالقمع. أما عن حكم أسرة الصباح فهو جزء لا يتجزأ من روح المجتمع وهويته السياسية. كما تفرض هذه الروح اقتراب الحكام من الشعب واستماعهم إليه وخضوعهم لمحاسبته ومراقبته".
وقد نجح الدستور الكويتي في إقامة نظام سياسي فريد يحافظ على جوهر العلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب، وأقام مؤسسات دستورية تتولى شؤون الحكم وفق منظومة من النصوص الدستورية التي تكفل للشعب حقه في ممارسة التشريع والرقابة على أداء الحكومة.
وإذ تشوب العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة بعض الشوائب التي تعيق تعاونهما، فإن محاولة اختزال الأمر في الاعاء بوجود حاجة ملحة لإعادة النظر في التنظيم الدستوري لللنظام السياسي، هي محاولة تتداخل معها بعض الدعوات المغرضة التي يسعى أصحابها إلى تقليص دور مجلس الأمة مقابل تكريس هيمنة الحكومة على العمل السياسي. ونحن
وإن كنا نقر بوجود سلبيات كثيرة في الممارسة، إلا أنه أننا من أنصار القول بأن تلك السلبيات تتصل بمجمل الأداء السياسي في البلاد، أي من طرف الحكومة ومن طرف مجلس الأمة، وهي سلبيات جاءت من أخطاء في التطبيق لا من أخطاء في التنظيم. ومن هنا فإننا من أنصار الدعوة إلى تصحيح مسار العمل السياسي برمته من دون المساس بالنصوص الدستورية، فالممارسة السياسية الحالية غير راشدة في مجملها، بل هي لم تصل بعد إلى مستوى غايات وأهداف الدستور، كما يشوبها بين الحين والآخر الكثير من المخالفات الدستورية.
ولايخفى على كل من يتابع الشأن السياسي الكويتي أن الخلل في الأداء الحكومي كبير، وهو يحتاج إلى إصلاح جذري، فهناك تداخل وخلط بين الحكم والحكومة، وهناك ضعف شديد يعاني منه مجلس الوزراء، كما أن آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء تحتاج إلى تطوير. بيد أن إصلاح هذا الخلل أيضا لا يحتاج إلى تعديل في النصوص الدستورية بقدر حاجته إلى تغيير جذري في المفاهيم والمبادئ الحاكمة للعمل الحكومي.
خلاصة القول هي أن التنظيم الدستوري للنظام السياسي الكويتي لا يحتاج إلى تعديلات، في حين أن الممارسة السياسية في مجملها تحتاج إلى تطوير وإصلاح جذري. فالممارسات السيئة مرتبطة بالسلوك والمنهج السياسي والواقع الاجتماعي وفلسفة الحكم.
ومن هنا فمن الخطأ أن نفكر في تحجيم النصوص الدستورية كي تتناسب مع القدرات المحدودة للإدارة السياسية أو للتخلص من الممارسات السياسية غير المنضبطة، بل على الإدارة السياسية أن تطور قدراتها، وعلينا أن نرتقي بممارستنا السياسية.
وعلى أية حال، فإن الإصلاح والتطوير يتطلبان توفر بيئة مناسبة.. بيئة متصالحة لا متخاصمة.. بيئة يسود فيها الاستعداد للاعتراف بالخطأ والرغبة في التصحيح.. بيئة تخلو من التربص.. بيئة يكون فيها للرأي المحايد المحترف السيادة على ما عداه. ومع شديد الأسف، فإن البيئة السياسية السائدة اليوم في الكويت هي بيئة غير ملائمة للمبادرات التصحيحية المحايدة.
وإذا كانت هذه الجلسة مخصصة لمناقشة النظام السياسي والدستوري، فإن الحديث عن واقع الممارسة السياسية يخرج عن نطاق الجلسة.
وعلى الرغم من قناعتي بعدم وجود حاجة ملحة لإدخال تعديلات على التنظيم الدستوري لنظامنا السياسي، إلا أن هناك إشارات مزعجة حول المستقبل، لاسيما مستقبل الأسرة الحاكمة. إن لدي قناعة راسخة مفادها أن مستقبل الأسرة محفوف بالمخاطر، لذلك فإنني هنا أتقدم ببعض الإفكار التي أهدف من وراءها إلى تنظيم مؤسسة الحكم. كما أنني أطرح بعض الأفكار التي قد تصلح للمناقشة في شأن تطوير أداء مجلس الأمة.
أفكار للمناقشة
أود إن أقرر مجددا أنه لا حاجة ماسة لتعديل التنظيم الدستوري للنظام السياسي، ذلك أن المبادئ العامة التي تبناها الدستور، وهي تحقيق أكبر قدر من التوازن بين حق الشعب في إدارة شؤونه وحق الأسرة الحاكمة في الحكم مع ميله إلى ترجيح كفة الشعب، وكذلك الأحكام التفصيلية التي وردت في الدستور والمنظمة لعمل مجلس الأمة وأدوات المراقبة على أعمال الحكومة، ليست في حاجة للتعديل. ونظرا إلى كون الخلل الذي يشوب العمل السياسي في البلاد، حسب ظني، يرجع في أساسه إلى عدم "تقبل" الأسرة الحاكمة، وعلى مستوى كل الأجيال، لفكرة الرقابة الشعبية والمشاركة في الحكم. لذلك فإن الحاجة تنتفي لتعديل الدستور لو أن الأسرة الحاكمة تخلت عن صراعها مع الحكم الدستوري. وأود هنا أن أطرح عناوين فكرتين، الأولى: إنشاء مجلس للأعيان أو الشيوخ يتم تعيين أعضاءه وتنتقل إليه أهم صلاحيات رئيس الدولة في إطار علاقته بالبرلمان مع بقاء صلاحيات مجلس الأمة كما هي دون تغيير مع التحول الفعلي إلى الملكية الدستورية. أما الفكرة الثانية فهي تقسيم
مجلس الأمة المنتخب إلى غرفتين، غرفة منتخبة تقوم بوظيفة التشريع، وغرفة منتخبة أيضا تقوم بوظيفة الرقابة السياسية.
أن ما سأطرحه بعد قليل لا يمس من قريب أو بعيد جوهر الحكم الديمقراطي بل هو يعزز هذا الجوهر ويكرس المشاركة الشعبية ويحررها من التدخلات الضارة للأسرة الحاكمة وتوابعها. وما أطرحه هنا هو اقتراح تطوير وإصلاح لآليات العمل السياسي، وهو يتطلب إجراء تعديلات دستورية. إن المشروع المقترح يتناول السلطة التنفيذية التي يمارسها رئيس الدولة ومجلس الوزراء، وهو في هذه الناحية يتضمن إنشاء مجلس أعيان أو مجلس شيوخ. كما يتناول المشروع السلطة التشريعية التي يمارسها رئيس الدولة ومجلس الأمة، وهو في هذه الناحية يتضمن تقسيم مجلس الأمة إلى غرفتين واحدة تختص بالتشريع والأخرى تختص بالرقابة على أعمال الحكومة.
أولا: إصلاح السلطة التنفيذية:
من أبرز عناصر النظام البرلماني ما يسمى "بثنائية الجهاز التنفيذي" والمقصود بهذه الثنائية وجود مجلس وزراء بيده السلطة التنفيذية الفعلية، ورئيس للدولة يمارس صلاحياته من خلال الوزارة. وقد ظهرت قاعدة معروفة هي "أن الملك لا يخطئ"، وحقيقتها أن "الملك لا يمكن أن يخطئ" وهي (لا) تعني أن الملك أو الأمير معصوم عن الخطأ، بل تعني أن الملك، كي لا يخطأ وكي لا يحاسب على خطأه، يجب ألا تكون بيده سلطة فعلية، لأن وجود السلطة الفعلية لديه معناه أنه سوف يخطأ حين يمارسها، وهذا الخطأ يوجب محاسبته. لكن لكونه ملكا أو أميرا، فإن المحاسبة ممنوعة. ومن هنا ظهر النص الذي يقول "ذات الأمير مصونة"، وصيانة ذات الملك أو الأمير تأتي كمقابل لابتعاده عن السلطة. أما إذا أراد الأمير أو الملك أن يمارس صلاحيات فعليه، فإن عليه أن يتقبل مبدأ المحاسبة والتخلي عن قاعدة "الذات المصونة".
في الكويت، يمكن القول أن الشيخ عبدالله السالم فهم الدستور وعمل به بما يملك من حنكة وحكمة، فمارس دوره المرسوم بالدستور كرئيس دولة، فلم يخلط بين رئاسته للدولة وبين هيمنته على مجلس الوزراء، ولم يخلط أيضا بين رئاسته للدولة وبين انتماءه لأسرة الصباح، ولم يفصل نفسه عن الشعب. غير أن أسلوب الشيخ عبدالله السالم انتهى بوفاته، فمن بعده اختلطت رئاسة الدولة برئاسة مجلس الوزراء بزعامة أسرة الصباح، وهو الأمر الذي أفقد منصب رئيس الدولة حياديته المفترضة، وهي أن يكون حكما بين السلطات لا حاكما لها.
ويمكن القول أن الدستور الكويتي حين حدد اختصاصات رئيس الدولة وأبان طريقة ممارستها وأعفاه من المسؤولية، إنما كان ذلك بسبب ميله إلى النظام البرلماني حيث لا يمارس رئيس الدولة سلطة فعليه، ولأنه حصر دور أسرة الصباح في منصبي الأمير وولي العهد فقط، واتجه نحو شعبية الوزارة.
ولو التزمنا بهذا التصوير للحكم لما أصبح العمل السياسي في البلاد وكأنه مواجهة مستمرة بين أسرة الصباح والقوى السياسية الشعبية، بل لأصبح مواجهة محمودة بين القوى السياسية التي تنخرط في الحكومة والقوى السياسية الممثلة في البرلمان، ويكون الأمير بمثابة الحكم بينهما.
على ذلك فإن محاولة إصلاح السلطة التنفيذية تتطلب أول الأمر إعادة صياغة دور (رئيس الدولة) على نحو يعزز شعبية الحكم من جهة، ويعزز دور رئيس الدولة كحكم بين السلطات
من جهة أخرى، لا كطرف يتمتع بسلطة حقيقية دون أن يتمكن الشعب من محاسبته.
ومن هنا أدعو إلى إنشاء "مجلس أعيان أو شيوخ" يتم تعيين أعضاءه من قبل الأمير، على أن يشارك في عضويته أفراد من أسرة الصباح، وتأتي عضويتهم في هذا المجلس مقابل إبعادهم عن المشاركة في مجلس الوزراء باستثناء رئيس مجلس الوزراء الذي يمكن أن يكون من أفراد أسرة الصباح.
وتكون مهمة مجلس الأعيان مساعدة رئيس الدولة ومجلس الوزراء في أداء وظائفهم دون أي انتقاص من صلاحيات مجلس الأمة ودون اشتراك معه في اختصاصاته الرقابية أو التشريعية، بل فقط معاونة السلطة التنفيذية في أداء مهامها. وتتم تلك المعاونة من خلال تحويل بعض صلاحيات رئيس الدولة إلى مجلس الأعيان، ومن خلال اشتراك مجلس الأعيان مع رئيس الدولة في اختصاصاته الأخرى.
ومن بين الاختصاصات التي اقترح أن يشترك فيها مجلس الأعيان مع الأمير(1) تزكية ولي العهد قبل ترشيحه رسميا في مجلس الأمة. (2) التثبت من فقد ولي العهد القدرة الصحية أو أحد الشروط. ويمكن أن يضاف إلى صلاحيات مجلس الأعيان سلطة إعلان فقد الأمير قدراته الصحية أو فقده شروط الحكم بدلا من مجلس الوزراء.(3) حق اقتراح تعديل الدستور. (4) إبرام المعاهدات. (5) أما بالنسبة لحل مجلس الأمة، فلا ينفرد به الأمير بل يشترط موافقة مجلس الأعيان على القرار قبل إصداره، كما يشترط أن يكون بطلب من مجلس الوزراء لا بناء على رؤية خاصة من الأمير إلا في حالة اتخاذ مجلس الأمة قرار بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ففي هذه الحالة يصدر قرار حل مجلس الأمة، إن قرر الأمير حل المجلس، بعد موافقة مجلس الأعيان، ودون حاجة إلى طلب من مجلس الوزراء.
أما اختصاصات الأمير الأخرى مثل: (1) اختيار نائب عنه. (2) تعيين وإعفاء رئيس مجلس الوزراء والوزراء. (3) قيادة القوات المسلحة. (4) منح ولي العهد بعض اختصاصات الأمير. (5) تحديد شروط استحقاق أفراد الأسرة الحاكمة لمخصصاتهم. (6) ومنح الأوسمة. (7) والعفو عن العقوبة. (8) إعلان الحرب الدفاعية. (9) إعلان الأحكام العرفية. فهذه الاختصاصات تحجز للأمير حيث يباشرها إما منفردا، أو بالاشتراك مع مجلس الوزراء.
أما بالنسبة لاختصاصات الأمير الحالية في نطاق "إدارة الدولة" مثل إصدار اللوائح ورد القوانين (طلب إعادة النظر) فهذه ينفرد فيها مجلس الأعيان بالاشتراك مع مجلس الوزراء.
وبالنسبة لمشروعات القوانين التي تعدها الحكومة، فإنها تعرض أولا على مجلس الأعيان، فإن وافق عليها هذا المجلس، تحال إلى مجلس الأمة الذي له كامل الصلاحية في إقرارها أو رفضها. ويمكن لمجلس الأعيان أن يقدم مشروعات قوانين إلى الحكومة التي، إن رأت الأخذ بها، تقدمها إلى مجلس الأمة. ولا يجوز أن تقدم الحكومة مشروع قانون إلى مجلس الأمة مالم يحصل هذا المشروع على موافقة مجلس الأعيان أولا.
إن مزايا هذا الاقتراح هي أنه أولا يبعد أفراد الأسرة الحاكمة عن مجلس الوزراء باستثناء منصب رئيس مجلس الوزراء الذي يجوز أن يكون من أسرة الصباح. ومن مزاياه أيضا، تقليص تفرد رئيس الدولة في ممارسة بعض اختصاصاته لاسيما تزكية ولي العهد. و من مزاياه أيضا أنه يوفر تناسب واقعي بين عدم جواز محاسبة رئيس الدولة وبين عدم انفراده بالقرار. كما أن إنشاء مجلس للأعيان يتيح المجال للاستفادة من جهود أصحاب الخبرات والكفاءات ممن لا توفرهم الانتخابات العامة، كما أنه يحقق نوع من التوازن السياسي وذلك
من خلال خلق طبقة سياسية جديدة هي أعضاء مجلس الأعيان، ويمكن أيضا الاستفادة من مجلس الأعيان كوسيلة لضمان تمثيل الطوائف والتخصصات المهن والمرأة أيضا. ولعل الميزة الأكبر لهذا الاقتراح هي خلق جهاز مساند يدعم ويساعد السلطة التنفيذية، أميرا ومجلس وزراء، في أداء وظائفهم.
ثانيا إصلاح مجلس الأمة:
أما عن تطوير وإصلاح مجلس الأمة، فيجب علينا قبل أن نناقش الفكرة أن نعترف بأن أداء المجلس دون المستوى، وهناك خلل فعلي وظاهر في أسلوب عمل المجلس، وهو خلل يرجع إلى المستوى العام للنواب أكثر من كونه بسبب النصوص القانونية أو الدستورية. بيد أن أسباب الخلل لا تعفينا من التفكير في كيفية تطوير أداء المجلس، ومن هنا اقترح تقسيم مجلس الأمة إلى غرفتين، غرفة تمارس وظيفة التشريع، وغرفة تمارس وظيفة الرقابة. ويكون رئيس مجلس الأمة هو رئيس الغرفتين، ويتم انتخابه ونائبه في جلسه مشتركة للغرفتين. ولا تشارك الحكومة في التصويت إطلاقا. وطبيعي القول أن الأعضاء في الغرفتين يتم انتخابهم مباشرة من قبل الناخبين على أن يتم انتخاب أعضاء كل غرفة بشكل مستقل. ولا يكون الوزراء أعضاء في الغرفتين ولا يحضرون الجلسات إلا في حالات معينة سوف أبينها بعد قليل، ولا تشترك الحكومة في التصويت في حال حضرت الجلسات.
أما عن كيفية ممارسة الرقابة على أعمال الحكومة، فإن هذا يتم من خلال الوسائل المتاحة حاليا لمجلس الأمة من سؤال واستجواب وطرح ثقة وتحقيق ومناقشة سياسة الحكومة، ويبقى أيضا حق غرفة الرقابة في فحص شكاوى وعرائض المواطنين، وتقديم اقتراحات برغبة. ولا يؤخذ بنظام الأسئلة الشفوية بل يجب أن تكون الأسئلة مكتوبة فقط ويجيب عليها الوزير في موعد محدد.
أما عن حالات حضور الوزراء في غرفة الرقابة، فإن ذلك يكون في حالة الاستجواب، أو في حالة طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة بشأنه حيث يحضر الوزير المختص لمناقشة الاستجواب أو لتقديم إيضاحات وللرد على استفسارات النواب. ويجوز لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء حضور جلسات غرفة الرقابة في حال الرغبة في إلقاء بيان أو الاستماع لوجهة نظر النواب دون أن يكون لهم حق التصويت كما أشرت.
وليس في هذا الشق من الاقتراح أي مساس بوظيفة الرقابة، بل على العكس من ذلك حيث أن عدم اشتراك الحكومة في التصويت يحرر مجلس الأمة من هيمنتها على قراره، فالحكومة حاليا تصوت على كل قرارات مجلس الأمة باستثناء طرح الثقة. أما في اقتراحي فهي لا تتدخل في انتخابات الرئاسة ولا في انتخابات لجان المجلس، ولا تصوت على أي قرار، وبذلك يكون القرار شعبيا خالصا.
ومن مزايا هذا الاقتراح أنه يلغي أسلوب المواجهة بين الوزراء والنواب، وهو يبعد بالتالي حالة التحدي الشخصي. ومن مزاياه أيضا تفرغ الوزراء لمهامهم، وعدم انشغالهم بحضور جلسات مجلس الأمة. كما أن تفرغ غرفة الرقابة لعملها فقط لا يتسبب في تأخير التشريعات، فلا يطغى الاختصاص الرقابي على الاختصاص التشريعي.
أما بالنسبة للتشريع، فتقوم به غرفة التشريع في مجلس الأمة، حيث تبحث هذه الغرفة مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة أو اقتراحات القوانين التي يقدمها أعضاء الغرفة ذاتها أو أعضاء غرفة الرقابة. ولا تشارك الحكومة في التصويت على القوانين إطلاقا، بيد أن من حق الوزير المختص حضور الجلسات لشرح موقف الحكومة، ومن حق غرفة التشريع استدعاء الوزير لشرح مشروعه أو تقديم إيضاحات. كما يحق لعضو غرفة الرقابة الحضور أمام غرفة التشريع لشرح اقتراحه.
وهكذا نرى أن اختصاصات مجلس الأمة لم تمس إطلاقا، بل تم تحرير قرار المجلس من هيمنة الحكومة، من خلال منعها من الاشتراك في التصويت. غاية الأمر أنه تم تقسيم اختصاصات مجلس الأمة، وتم استبعاد الحكومة من التصويت كما تم إعفاءها من حضور الجلسات.
ومن مزايا تخصيص غرفة للتشريع، عدم تعطل مشروعات القوانين، كما يتيح التخصيص دخول عناصر متخصصة في القانون، حيث لن يكون الترشيح لغرفة التشريع "مغريا" كما هو حال الترشيح لغرفة الرقابة، فالعمل الرقابي هو الذي يوفر النفوذ!
كما أن إفراد غرفة للتشريع يؤدي إلى حيادية التشريع وعدم خضوعه لمساومات النواب، ويوفر التخصص إمكانية حصول مشروعات القوانين على ما تستحقه من دراسة بدلا من أسلوب "السلق" الذي تناقش بموجبه تشريعاتنا حاليا.
أما على صعيد النزاع الذي يطرأ بين الحكومة ومجلس الأمة، فإنني أقترح إنشاء محكمة خاصة للفصل في تلك الخلافات، وهنا أقول أنه يجب أن نفرق بين الخلافات المتصلة بالتشريع، وبين تلك المتصلة بالرقابة. أما عن الخلافات المتصلة بالتشريع، أي تلك التي تتعلق بدستورية التشريعات، فإن المحكمة الدستورية هي الجهة المختصة بالفصل فيها.
أما بالنسبة للخلافات المتصلة باستخدام مجلس الأمة أدواته الرقابية، فلا مانع دستوري يحول دون إنشاء جهة خاصة تتولى الفصل في المنازعات القانونية التي تقوم بين مجلس الأمة والحكومة حول استخدام مجلس الأمة أدوات الرقابة دون أن تعطى تلك الجهة حق تفسير نصوص الدستور تفسيرا مستقلا. فلهذه الجهة أن تفصل في النزاع على ضوء فهمها للنص الدستوري ولنصوص لائحة مجلس الأمة، وعلى ضوء ما استقر من عرف. على أن
تمنح هذه الجهة حق الفصل في المنازعة من دون تخويلها إصدار تفسير ملزم لنص دستوري، أي يكون اختصاص هذه الجهة، التي نرى أن يكون تشكيلها تشكيلا مختلطا، هو الفصل في المنازعات، فتقضي بجواز توجيه هذا السؤال أو تلك الفقرة منه، أو تقضي بعدم قانونية ذاك الاستجواب، فيكون اختصاصها محصورا في نطاق حل المنازعات بين مجلس الأمة والحكومة غير المتصلة بالتشريع.
أما عن مدى دستورية الأخذ بهذه الفكرة، فبالنظر لكون الدستور الكويتي "قد أخذ بالمفهوم الحديث لمبدأ الفصل بين السلطات، وأخذ بفكرة الرقابة القضائية على دستورية التشريعات وأقر رقابة القضاء، إلغاء وتعويضا، على قرارات السلطة التنفيذية، ونص على بعض ضوابط وشروط ممارسة البرلمان لوظيفته الرقابية، فإن إعمال مبدأ المشروعية يتطلب إخضاع الرقابة البرلمانية لرقابة القضاء من جهة مدى توافقها مع الإجراءات والضوابط الموضوعية المقررة وذلك انصياعا لعلو نصوص الدستور ووجوب احترامها. ولا يقدح في صواب هذا الرأي القول بأن المحكمة الدستورية في الكويت أقرت بعدم اختصاصها بفحص الأعمال البرلمانية، ومنها الرقابة البرلمانية، حيث إن الواقع يؤكد أنها، وإن أقرت بعدم خضوع الأعمال البرلمانية لرقابة القضاء، إلا أنها، عمليا، مدت اختصاصها ليشمل مراقبة الرقابة البرلمانية من خلال إصدار قرارات تفسير نصوص الدستور ذات الصلة بأدوات الرقابة البرلمانية. أي أنه ليس هناك ثمة تعارض بين مبدأ الفصل بين السلطات وتقرير الرقابة القضائية على ممارسة البرلمان للرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية من جهة مدى الالتزام بالضوابط والشروط الشكلية والموضوعية دون أن تشمل هذه الرقابة القضائية مراقبة اعتبارات الملاءمة السياسية، ودون المساس بحرية عضو البرلمان في أداء وظيفته الرقابية. والقول بغير ذلك، وتحصين ممارسة الانحراف الرقابي، يعد خروجا على مبدأ المشروعية الذي يجب أن تخضع له السلطات العامة في الدولة بما فيها السلطة المنتخبة.
فلا يجوز تحت راية فهم تقليدي لفكرة سياسية هي الفصل بين السلطات، أن تهدر إحدى السلطات مبدأ المشروعية. فالسماح بممارسة الرقابة البرلمانية على مذبح المشروعية هو عودة إلى التسلط وجموح السلطة، وهو الأمر الذي ابتدع مبدأ الفصل بين السلطات أصلا لمحاربته، تماما كما هو حال تقرير القضاء الدستوري لنفسه سلطة مراقبة الرقابة البرلمانية دون سند من الدستور، وكذلك هو حال خروج المحكمة الدستورية عن ضوابط قبول طلب تفسير نصوص الدستور، وخروجها عن حدود ونطاق التفسير. فتجاوز المحكمة حدود اختصاصها، وتجاوز البرلمان ضوابط الرقابة البرلمانية يشكلان اعتداء مزدوجا على مبدأ المشروعية".
انتهى
النظام السياسي والدستوري
الورقة الثانية: متطلبات تطوير وإصلاح النظام السياسي والدستوري
محمد عبدالقادر الجاسم*
23 مارس 2009
• ماجستير في القانون الدستوري
مقدمة
مهما بلغت مثالية التنظيم الدستوري للنظام السياسي، فإن العبرة هي بالتطبيق، فإن صلحت النوايا وتلاقت الأهداف في بيئة واعية راقية، فإن التنظيم النظري، حتى لو كان قاصرا، لا يشكل عائقا أمام الإدارة الحسنة للدولة. وفي الكويت تظهر بين حين وآخر دعوات لتعديل بعض نصوص الدستور تحت راية تطوير أو إصلاح العمل البرلماني. وبالنسبة لي، فإنني أرى أن هذه الدعوات تكشف عن نظرة قاصرة غير متعمقة تستند على ظاهر الأمور لا على حقيقتها، وهي تنطلق من تشخيص منحرف للواقع السياسي.
إن التنظيم الدستوري للنظام السياسي الكويتي تنظيم متوازن أقيم على المبادئ التي كانت سائدة في المجتمع القديم التي "تفرض مشاركة الشعب في اختيار الحاكم وترفض الاستبداد. كما تفرض على الحاكم مشاورة الشعب وترفض القمع والتسلط، بل تأبى ما هو أقل من ذلك كالانفراد في القرار حتى وإن لم يكن مقترنا بالقمع. أما عن حكم أسرة الصباح فهو جزء لا يتجزأ من روح المجتمع وهويته السياسية. كما تفرض هذه الروح اقتراب الحكام من الشعب واستماعهم إليه وخضوعهم لمحاسبته ومراقبته".
وقد نجح الدستور الكويتي في إقامة نظام سياسي فريد يحافظ على جوهر العلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب، وأقام مؤسسات دستورية تتولى شؤون الحكم وفق منظومة من النصوص الدستورية التي تكفل للشعب حقه في ممارسة التشريع والرقابة على أداء الحكومة.
وإذ تشوب العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة بعض الشوائب التي تعيق تعاونهما، فإن محاولة اختزال الأمر في الاعاء بوجود حاجة ملحة لإعادة النظر في التنظيم الدستوري لللنظام السياسي، هي محاولة تتداخل معها بعض الدعوات المغرضة التي يسعى أصحابها إلى تقليص دور مجلس الأمة مقابل تكريس هيمنة الحكومة على العمل السياسي. ونحن
وإن كنا نقر بوجود سلبيات كثيرة في الممارسة، إلا أنه أننا من أنصار القول بأن تلك السلبيات تتصل بمجمل الأداء السياسي في البلاد، أي من طرف الحكومة ومن طرف مجلس الأمة، وهي سلبيات جاءت من أخطاء في التطبيق لا من أخطاء في التنظيم. ومن هنا فإننا من أنصار الدعوة إلى تصحيح مسار العمل السياسي برمته من دون المساس بالنصوص الدستورية، فالممارسة السياسية الحالية غير راشدة في مجملها، بل هي لم تصل بعد إلى مستوى غايات وأهداف الدستور، كما يشوبها بين الحين والآخر الكثير من المخالفات الدستورية.
ولايخفى على كل من يتابع الشأن السياسي الكويتي أن الخلل في الأداء الحكومي كبير، وهو يحتاج إلى إصلاح جذري، فهناك تداخل وخلط بين الحكم والحكومة، وهناك ضعف شديد يعاني منه مجلس الوزراء، كما أن آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء تحتاج إلى تطوير. بيد أن إصلاح هذا الخلل أيضا لا يحتاج إلى تعديل في النصوص الدستورية بقدر حاجته إلى تغيير جذري في المفاهيم والمبادئ الحاكمة للعمل الحكومي.
خلاصة القول هي أن التنظيم الدستوري للنظام السياسي الكويتي لا يحتاج إلى تعديلات، في حين أن الممارسة السياسية في مجملها تحتاج إلى تطوير وإصلاح جذري. فالممارسات السيئة مرتبطة بالسلوك والمنهج السياسي والواقع الاجتماعي وفلسفة الحكم.
ومن هنا فمن الخطأ أن نفكر في تحجيم النصوص الدستورية كي تتناسب مع القدرات المحدودة للإدارة السياسية أو للتخلص من الممارسات السياسية غير المنضبطة، بل على الإدارة السياسية أن تطور قدراتها، وعلينا أن نرتقي بممارستنا السياسية.
وعلى أية حال، فإن الإصلاح والتطوير يتطلبان توفر بيئة مناسبة.. بيئة متصالحة لا متخاصمة.. بيئة يسود فيها الاستعداد للاعتراف بالخطأ والرغبة في التصحيح.. بيئة تخلو من التربص.. بيئة يكون فيها للرأي المحايد المحترف السيادة على ما عداه. ومع شديد الأسف، فإن البيئة السياسية السائدة اليوم في الكويت هي بيئة غير ملائمة للمبادرات التصحيحية المحايدة.
وإذا كانت هذه الجلسة مخصصة لمناقشة النظام السياسي والدستوري، فإن الحديث عن واقع الممارسة السياسية يخرج عن نطاق الجلسة.
وعلى الرغم من قناعتي بعدم وجود حاجة ملحة لإدخال تعديلات على التنظيم الدستوري لنظامنا السياسي، إلا أن هناك إشارات مزعجة حول المستقبل، لاسيما مستقبل الأسرة الحاكمة. إن لدي قناعة راسخة مفادها أن مستقبل الأسرة محفوف بالمخاطر، لذلك فإنني هنا أتقدم ببعض الإفكار التي أهدف من وراءها إلى تنظيم مؤسسة الحكم. كما أنني أطرح بعض الأفكار التي قد تصلح للمناقشة في شأن تطوير أداء مجلس الأمة.
أفكار للمناقشة
أود إن أقرر مجددا أنه لا حاجة ماسة لتعديل التنظيم الدستوري للنظام السياسي، ذلك أن المبادئ العامة التي تبناها الدستور، وهي تحقيق أكبر قدر من التوازن بين حق الشعب في إدارة شؤونه وحق الأسرة الحاكمة في الحكم مع ميله إلى ترجيح كفة الشعب، وكذلك الأحكام التفصيلية التي وردت في الدستور والمنظمة لعمل مجلس الأمة وأدوات المراقبة على أعمال الحكومة، ليست في حاجة للتعديل. ونظرا إلى كون الخلل الذي يشوب العمل السياسي في البلاد، حسب ظني، يرجع في أساسه إلى عدم "تقبل" الأسرة الحاكمة، وعلى مستوى كل الأجيال، لفكرة الرقابة الشعبية والمشاركة في الحكم. لذلك فإن الحاجة تنتفي لتعديل الدستور لو أن الأسرة الحاكمة تخلت عن صراعها مع الحكم الدستوري. وأود هنا أن أطرح عناوين فكرتين، الأولى: إنشاء مجلس للأعيان أو الشيوخ يتم تعيين أعضاءه وتنتقل إليه أهم صلاحيات رئيس الدولة في إطار علاقته بالبرلمان مع بقاء صلاحيات مجلس الأمة كما هي دون تغيير مع التحول الفعلي إلى الملكية الدستورية. أما الفكرة الثانية فهي تقسيم
مجلس الأمة المنتخب إلى غرفتين، غرفة منتخبة تقوم بوظيفة التشريع، وغرفة منتخبة أيضا تقوم بوظيفة الرقابة السياسية.
أن ما سأطرحه بعد قليل لا يمس من قريب أو بعيد جوهر الحكم الديمقراطي بل هو يعزز هذا الجوهر ويكرس المشاركة الشعبية ويحررها من التدخلات الضارة للأسرة الحاكمة وتوابعها. وما أطرحه هنا هو اقتراح تطوير وإصلاح لآليات العمل السياسي، وهو يتطلب إجراء تعديلات دستورية. إن المشروع المقترح يتناول السلطة التنفيذية التي يمارسها رئيس الدولة ومجلس الوزراء، وهو في هذه الناحية يتضمن إنشاء مجلس أعيان أو مجلس شيوخ. كما يتناول المشروع السلطة التشريعية التي يمارسها رئيس الدولة ومجلس الأمة، وهو في هذه الناحية يتضمن تقسيم مجلس الأمة إلى غرفتين واحدة تختص بالتشريع والأخرى تختص بالرقابة على أعمال الحكومة.
أولا: إصلاح السلطة التنفيذية:
من أبرز عناصر النظام البرلماني ما يسمى "بثنائية الجهاز التنفيذي" والمقصود بهذه الثنائية وجود مجلس وزراء بيده السلطة التنفيذية الفعلية، ورئيس للدولة يمارس صلاحياته من خلال الوزارة. وقد ظهرت قاعدة معروفة هي "أن الملك لا يخطئ"، وحقيقتها أن "الملك لا يمكن أن يخطئ" وهي (لا) تعني أن الملك أو الأمير معصوم عن الخطأ، بل تعني أن الملك، كي لا يخطأ وكي لا يحاسب على خطأه، يجب ألا تكون بيده سلطة فعلية، لأن وجود السلطة الفعلية لديه معناه أنه سوف يخطأ حين يمارسها، وهذا الخطأ يوجب محاسبته. لكن لكونه ملكا أو أميرا، فإن المحاسبة ممنوعة. ومن هنا ظهر النص الذي يقول "ذات الأمير مصونة"، وصيانة ذات الملك أو الأمير تأتي كمقابل لابتعاده عن السلطة. أما إذا أراد الأمير أو الملك أن يمارس صلاحيات فعليه، فإن عليه أن يتقبل مبدأ المحاسبة والتخلي عن قاعدة "الذات المصونة".
في الكويت، يمكن القول أن الشيخ عبدالله السالم فهم الدستور وعمل به بما يملك من حنكة وحكمة، فمارس دوره المرسوم بالدستور كرئيس دولة، فلم يخلط بين رئاسته للدولة وبين هيمنته على مجلس الوزراء، ولم يخلط أيضا بين رئاسته للدولة وبين انتماءه لأسرة الصباح، ولم يفصل نفسه عن الشعب. غير أن أسلوب الشيخ عبدالله السالم انتهى بوفاته، فمن بعده اختلطت رئاسة الدولة برئاسة مجلس الوزراء بزعامة أسرة الصباح، وهو الأمر الذي أفقد منصب رئيس الدولة حياديته المفترضة، وهي أن يكون حكما بين السلطات لا حاكما لها.
ويمكن القول أن الدستور الكويتي حين حدد اختصاصات رئيس الدولة وأبان طريقة ممارستها وأعفاه من المسؤولية، إنما كان ذلك بسبب ميله إلى النظام البرلماني حيث لا يمارس رئيس الدولة سلطة فعليه، ولأنه حصر دور أسرة الصباح في منصبي الأمير وولي العهد فقط، واتجه نحو شعبية الوزارة.
ولو التزمنا بهذا التصوير للحكم لما أصبح العمل السياسي في البلاد وكأنه مواجهة مستمرة بين أسرة الصباح والقوى السياسية الشعبية، بل لأصبح مواجهة محمودة بين القوى السياسية التي تنخرط في الحكومة والقوى السياسية الممثلة في البرلمان، ويكون الأمير بمثابة الحكم بينهما.
على ذلك فإن محاولة إصلاح السلطة التنفيذية تتطلب أول الأمر إعادة صياغة دور (رئيس الدولة) على نحو يعزز شعبية الحكم من جهة، ويعزز دور رئيس الدولة كحكم بين السلطات
من جهة أخرى، لا كطرف يتمتع بسلطة حقيقية دون أن يتمكن الشعب من محاسبته.
ومن هنا أدعو إلى إنشاء "مجلس أعيان أو شيوخ" يتم تعيين أعضاءه من قبل الأمير، على أن يشارك في عضويته أفراد من أسرة الصباح، وتأتي عضويتهم في هذا المجلس مقابل إبعادهم عن المشاركة في مجلس الوزراء باستثناء رئيس مجلس الوزراء الذي يمكن أن يكون من أفراد أسرة الصباح.
وتكون مهمة مجلس الأعيان مساعدة رئيس الدولة ومجلس الوزراء في أداء وظائفهم دون أي انتقاص من صلاحيات مجلس الأمة ودون اشتراك معه في اختصاصاته الرقابية أو التشريعية، بل فقط معاونة السلطة التنفيذية في أداء مهامها. وتتم تلك المعاونة من خلال تحويل بعض صلاحيات رئيس الدولة إلى مجلس الأعيان، ومن خلال اشتراك مجلس الأعيان مع رئيس الدولة في اختصاصاته الأخرى.
ومن بين الاختصاصات التي اقترح أن يشترك فيها مجلس الأعيان مع الأمير(1) تزكية ولي العهد قبل ترشيحه رسميا في مجلس الأمة. (2) التثبت من فقد ولي العهد القدرة الصحية أو أحد الشروط. ويمكن أن يضاف إلى صلاحيات مجلس الأعيان سلطة إعلان فقد الأمير قدراته الصحية أو فقده شروط الحكم بدلا من مجلس الوزراء.(3) حق اقتراح تعديل الدستور. (4) إبرام المعاهدات. (5) أما بالنسبة لحل مجلس الأمة، فلا ينفرد به الأمير بل يشترط موافقة مجلس الأعيان على القرار قبل إصداره، كما يشترط أن يكون بطلب من مجلس الوزراء لا بناء على رؤية خاصة من الأمير إلا في حالة اتخاذ مجلس الأمة قرار بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ففي هذه الحالة يصدر قرار حل مجلس الأمة، إن قرر الأمير حل المجلس، بعد موافقة مجلس الأعيان، ودون حاجة إلى طلب من مجلس الوزراء.
أما اختصاصات الأمير الأخرى مثل: (1) اختيار نائب عنه. (2) تعيين وإعفاء رئيس مجلس الوزراء والوزراء. (3) قيادة القوات المسلحة. (4) منح ولي العهد بعض اختصاصات الأمير. (5) تحديد شروط استحقاق أفراد الأسرة الحاكمة لمخصصاتهم. (6) ومنح الأوسمة. (7) والعفو عن العقوبة. (8) إعلان الحرب الدفاعية. (9) إعلان الأحكام العرفية. فهذه الاختصاصات تحجز للأمير حيث يباشرها إما منفردا، أو بالاشتراك مع مجلس الوزراء.
أما بالنسبة لاختصاصات الأمير الحالية في نطاق "إدارة الدولة" مثل إصدار اللوائح ورد القوانين (طلب إعادة النظر) فهذه ينفرد فيها مجلس الأعيان بالاشتراك مع مجلس الوزراء.
وبالنسبة لمشروعات القوانين التي تعدها الحكومة، فإنها تعرض أولا على مجلس الأعيان، فإن وافق عليها هذا المجلس، تحال إلى مجلس الأمة الذي له كامل الصلاحية في إقرارها أو رفضها. ويمكن لمجلس الأعيان أن يقدم مشروعات قوانين إلى الحكومة التي، إن رأت الأخذ بها، تقدمها إلى مجلس الأمة. ولا يجوز أن تقدم الحكومة مشروع قانون إلى مجلس الأمة مالم يحصل هذا المشروع على موافقة مجلس الأعيان أولا.
إن مزايا هذا الاقتراح هي أنه أولا يبعد أفراد الأسرة الحاكمة عن مجلس الوزراء باستثناء منصب رئيس مجلس الوزراء الذي يجوز أن يكون من أسرة الصباح. ومن مزاياه أيضا، تقليص تفرد رئيس الدولة في ممارسة بعض اختصاصاته لاسيما تزكية ولي العهد. و من مزاياه أيضا أنه يوفر تناسب واقعي بين عدم جواز محاسبة رئيس الدولة وبين عدم انفراده بالقرار. كما أن إنشاء مجلس للأعيان يتيح المجال للاستفادة من جهود أصحاب الخبرات والكفاءات ممن لا توفرهم الانتخابات العامة، كما أنه يحقق نوع من التوازن السياسي وذلك
من خلال خلق طبقة سياسية جديدة هي أعضاء مجلس الأعيان، ويمكن أيضا الاستفادة من مجلس الأعيان كوسيلة لضمان تمثيل الطوائف والتخصصات المهن والمرأة أيضا. ولعل الميزة الأكبر لهذا الاقتراح هي خلق جهاز مساند يدعم ويساعد السلطة التنفيذية، أميرا ومجلس وزراء، في أداء وظائفهم.
ثانيا إصلاح مجلس الأمة:
أما عن تطوير وإصلاح مجلس الأمة، فيجب علينا قبل أن نناقش الفكرة أن نعترف بأن أداء المجلس دون المستوى، وهناك خلل فعلي وظاهر في أسلوب عمل المجلس، وهو خلل يرجع إلى المستوى العام للنواب أكثر من كونه بسبب النصوص القانونية أو الدستورية. بيد أن أسباب الخلل لا تعفينا من التفكير في كيفية تطوير أداء المجلس، ومن هنا اقترح تقسيم مجلس الأمة إلى غرفتين، غرفة تمارس وظيفة التشريع، وغرفة تمارس وظيفة الرقابة. ويكون رئيس مجلس الأمة هو رئيس الغرفتين، ويتم انتخابه ونائبه في جلسه مشتركة للغرفتين. ولا تشارك الحكومة في التصويت إطلاقا. وطبيعي القول أن الأعضاء في الغرفتين يتم انتخابهم مباشرة من قبل الناخبين على أن يتم انتخاب أعضاء كل غرفة بشكل مستقل. ولا يكون الوزراء أعضاء في الغرفتين ولا يحضرون الجلسات إلا في حالات معينة سوف أبينها بعد قليل، ولا تشترك الحكومة في التصويت في حال حضرت الجلسات.
أما عن كيفية ممارسة الرقابة على أعمال الحكومة، فإن هذا يتم من خلال الوسائل المتاحة حاليا لمجلس الأمة من سؤال واستجواب وطرح ثقة وتحقيق ومناقشة سياسة الحكومة، ويبقى أيضا حق غرفة الرقابة في فحص شكاوى وعرائض المواطنين، وتقديم اقتراحات برغبة. ولا يؤخذ بنظام الأسئلة الشفوية بل يجب أن تكون الأسئلة مكتوبة فقط ويجيب عليها الوزير في موعد محدد.
أما عن حالات حضور الوزراء في غرفة الرقابة، فإن ذلك يكون في حالة الاستجواب، أو في حالة طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة بشأنه حيث يحضر الوزير المختص لمناقشة الاستجواب أو لتقديم إيضاحات وللرد على استفسارات النواب. ويجوز لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء حضور جلسات غرفة الرقابة في حال الرغبة في إلقاء بيان أو الاستماع لوجهة نظر النواب دون أن يكون لهم حق التصويت كما أشرت.
وليس في هذا الشق من الاقتراح أي مساس بوظيفة الرقابة، بل على العكس من ذلك حيث أن عدم اشتراك الحكومة في التصويت يحرر مجلس الأمة من هيمنتها على قراره، فالحكومة حاليا تصوت على كل قرارات مجلس الأمة باستثناء طرح الثقة. أما في اقتراحي فهي لا تتدخل في انتخابات الرئاسة ولا في انتخابات لجان المجلس، ولا تصوت على أي قرار، وبذلك يكون القرار شعبيا خالصا.
ومن مزايا هذا الاقتراح أنه يلغي أسلوب المواجهة بين الوزراء والنواب، وهو يبعد بالتالي حالة التحدي الشخصي. ومن مزاياه أيضا تفرغ الوزراء لمهامهم، وعدم انشغالهم بحضور جلسات مجلس الأمة. كما أن تفرغ غرفة الرقابة لعملها فقط لا يتسبب في تأخير التشريعات، فلا يطغى الاختصاص الرقابي على الاختصاص التشريعي.
أما بالنسبة للتشريع، فتقوم به غرفة التشريع في مجلس الأمة، حيث تبحث هذه الغرفة مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة أو اقتراحات القوانين التي يقدمها أعضاء الغرفة ذاتها أو أعضاء غرفة الرقابة. ولا تشارك الحكومة في التصويت على القوانين إطلاقا، بيد أن من حق الوزير المختص حضور الجلسات لشرح موقف الحكومة، ومن حق غرفة التشريع استدعاء الوزير لشرح مشروعه أو تقديم إيضاحات. كما يحق لعضو غرفة الرقابة الحضور أمام غرفة التشريع لشرح اقتراحه.
وهكذا نرى أن اختصاصات مجلس الأمة لم تمس إطلاقا، بل تم تحرير قرار المجلس من هيمنة الحكومة، من خلال منعها من الاشتراك في التصويت. غاية الأمر أنه تم تقسيم اختصاصات مجلس الأمة، وتم استبعاد الحكومة من التصويت كما تم إعفاءها من حضور الجلسات.
ومن مزايا تخصيص غرفة للتشريع، عدم تعطل مشروعات القوانين، كما يتيح التخصيص دخول عناصر متخصصة في القانون، حيث لن يكون الترشيح لغرفة التشريع "مغريا" كما هو حال الترشيح لغرفة الرقابة، فالعمل الرقابي هو الذي يوفر النفوذ!
كما أن إفراد غرفة للتشريع يؤدي إلى حيادية التشريع وعدم خضوعه لمساومات النواب، ويوفر التخصص إمكانية حصول مشروعات القوانين على ما تستحقه من دراسة بدلا من أسلوب "السلق" الذي تناقش بموجبه تشريعاتنا حاليا.
أما على صعيد النزاع الذي يطرأ بين الحكومة ومجلس الأمة، فإنني أقترح إنشاء محكمة خاصة للفصل في تلك الخلافات، وهنا أقول أنه يجب أن نفرق بين الخلافات المتصلة بالتشريع، وبين تلك المتصلة بالرقابة. أما عن الخلافات المتصلة بالتشريع، أي تلك التي تتعلق بدستورية التشريعات، فإن المحكمة الدستورية هي الجهة المختصة بالفصل فيها.
أما بالنسبة للخلافات المتصلة باستخدام مجلس الأمة أدواته الرقابية، فلا مانع دستوري يحول دون إنشاء جهة خاصة تتولى الفصل في المنازعات القانونية التي تقوم بين مجلس الأمة والحكومة حول استخدام مجلس الأمة أدوات الرقابة دون أن تعطى تلك الجهة حق تفسير نصوص الدستور تفسيرا مستقلا. فلهذه الجهة أن تفصل في النزاع على ضوء فهمها للنص الدستوري ولنصوص لائحة مجلس الأمة، وعلى ضوء ما استقر من عرف. على أن
تمنح هذه الجهة حق الفصل في المنازعة من دون تخويلها إصدار تفسير ملزم لنص دستوري، أي يكون اختصاص هذه الجهة، التي نرى أن يكون تشكيلها تشكيلا مختلطا، هو الفصل في المنازعات، فتقضي بجواز توجيه هذا السؤال أو تلك الفقرة منه، أو تقضي بعدم قانونية ذاك الاستجواب، فيكون اختصاصها محصورا في نطاق حل المنازعات بين مجلس الأمة والحكومة غير المتصلة بالتشريع.
أما عن مدى دستورية الأخذ بهذه الفكرة، فبالنظر لكون الدستور الكويتي "قد أخذ بالمفهوم الحديث لمبدأ الفصل بين السلطات، وأخذ بفكرة الرقابة القضائية على دستورية التشريعات وأقر رقابة القضاء، إلغاء وتعويضا، على قرارات السلطة التنفيذية، ونص على بعض ضوابط وشروط ممارسة البرلمان لوظيفته الرقابية، فإن إعمال مبدأ المشروعية يتطلب إخضاع الرقابة البرلمانية لرقابة القضاء من جهة مدى توافقها مع الإجراءات والضوابط الموضوعية المقررة وذلك انصياعا لعلو نصوص الدستور ووجوب احترامها. ولا يقدح في صواب هذا الرأي القول بأن المحكمة الدستورية في الكويت أقرت بعدم اختصاصها بفحص الأعمال البرلمانية، ومنها الرقابة البرلمانية، حيث إن الواقع يؤكد أنها، وإن أقرت بعدم خضوع الأعمال البرلمانية لرقابة القضاء، إلا أنها، عمليا، مدت اختصاصها ليشمل مراقبة الرقابة البرلمانية من خلال إصدار قرارات تفسير نصوص الدستور ذات الصلة بأدوات الرقابة البرلمانية. أي أنه ليس هناك ثمة تعارض بين مبدأ الفصل بين السلطات وتقرير الرقابة القضائية على ممارسة البرلمان للرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية من جهة مدى الالتزام بالضوابط والشروط الشكلية والموضوعية دون أن تشمل هذه الرقابة القضائية مراقبة اعتبارات الملاءمة السياسية، ودون المساس بحرية عضو البرلمان في أداء وظيفته الرقابية. والقول بغير ذلك، وتحصين ممارسة الانحراف الرقابي، يعد خروجا على مبدأ المشروعية الذي يجب أن تخضع له السلطات العامة في الدولة بما فيها السلطة المنتخبة.
فلا يجوز تحت راية فهم تقليدي لفكرة سياسية هي الفصل بين السلطات، أن تهدر إحدى السلطات مبدأ المشروعية. فالسماح بممارسة الرقابة البرلمانية على مذبح المشروعية هو عودة إلى التسلط وجموح السلطة، وهو الأمر الذي ابتدع مبدأ الفصل بين السلطات أصلا لمحاربته، تماما كما هو حال تقرير القضاء الدستوري لنفسه سلطة مراقبة الرقابة البرلمانية دون سند من الدستور، وكذلك هو حال خروج المحكمة الدستورية عن ضوابط قبول طلب تفسير نصوص الدستور، وخروجها عن حدود ونطاق التفسير. فتجاوز المحكمة حدود اختصاصها، وتجاوز البرلمان ضوابط الرقابة البرلمانية يشكلان اعتداء مزدوجا على مبدأ المشروعية".
انتهى