غياب الحكومة عن جلسات مجلس الأمة
دراسة حول الأثر الدستوري لغياب الحكومة
عن جلسات مجلس الأمة
محمد عبدالقادر الجاسم
مقدمة:
أثار غياب الحكومة عن جلسات مجلس الأمة مؤخرا حالة نقاش دستوري حول أثر هذا الغياب على صحة اجتماعات المجلس. ومن باب محاولة اختصار النقاش، قد يرى البعض أنه جرى العمل، طوال العقود الأربعة الماضية، على اعتبار حضور الحكومة، ولو بوزير واحد، شرطا لصحة اجتماعات مجلس الأمة، وهو ما يعني وجود (عرف مفسر) مستقر لنص الفقرة الأخيرة من المادة (116) التي تقرر أنه "تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها"، إذا اعتبرنا أن هذا النص غامض. أو يعني وجود (عرف منشئ) لقاعدة دستورية جديدة توجب حضور الحكومة لصحة اجتماعات مجلس الأمة، إذا أخذنا بفكرة خلو الدستور من نص ينظم هذه المسألة، أو يعني وجود (عرف معدل بالإضافة) أو (عرف معدل بالإسقاط) لنص المادة (97) من الدستور إذا جزمنا بأنه، أي النص، لا يشترط حضور الحكومة لصحة اجتماعات مجلس الأمة مكتفيا بحضور أكثر من نصف الأعضاء، أو يعني وجود (عرف مكمل) إذا قلنا أن التظيم الدستوري للمسألة كان ناقصا.
أي أنه إذا اعتبرنا تكرار قبول كل من مجلس الأمة والحكومة، طوال العقود الأربعة الماضية، التعامل مع حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة بوصفه شرطا لصحة اجتماعات المجلس، وبالتالي فإن عدم حضورها يعني عدم جواز انعقاد جلسات المجلس، إذا اعتبرنا ذلك من قبيل (العرف الدستوري) المفسر أو المكمل أو المنشئ أو المعدل بأحد نوعيه، فإن النقاش الحالي يضحى بلا معنى، وبلا أهمية، ويجب الالتزام بهذا العرف، وبالتالي لا يجوز عقد اجتماع لمجلس الأمة من دون حضور الحكومة.
وعلى الرغم من وجاهة الحجة السابقة في عمومها، إلا أن المسألة المطروحة للنقاش تستدعي التروي في إصدار الرأي، أخذا في الاعتبار أن للعرف الدستوري، بأنواعه المختلفة، ضوابط واشتراطات، فلا يكفي أبدا تواتر العمل على نمط واحد كي نقفز إلى استنتاج وجود العرف الدستوري، أيا كان نوعه، ثم نغلق باب النقاش على هذا الأساس.
وعلى ذلك، فإن هذه الدراسة الموجزة تسعى للوصول إلى رأي محايد في مسألة تأثير غياب الحكومة على صحة انعقاد اجتماعات مجلس الأمة، وذلك على ضوء الدلالة المباشرة لنصوص المواد (80 و90 و97 و116) من الدستور أولا، وعلى ضوء طبيعة النظام الذي تبناه المشرع الدستوري في العلاقة بين السلطات العامة في الدولة بالارتباط بنصوص المواد (6 و50 و66 و87 و100 و101 و102 و107) ومواد أخرى من الدستور ثانيا، وعلى ضوء ما جرى عليه العمل في التعامل مع غياب الحكومة عن جلسات مجلس الأمة ثالثا.
أولا: دلالة المواد (80) و(90) و(97) و(116)
(أ) تنص المادة (90) من الدستور على أنه "كل اجتماع يعقده المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه يكون باطلا، وتبطل بحكم القانون القرارات التي تصدر فيه". كما تنص المادة (97) من الدستور على أنه "يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة. وعند تساوي الأصوات يعتبر الأمر الذي جرت المداولة في شأنه مرفوضا".
ويستفاد من النصين السابقين أن المشرع الدستوري اشترط لصحة اجتماعات مجلس الأمة شروطا ثلاثة: الأول هو أن يعقد الاجتماع في الزمان المقرر. والثاني هو أن يعقد الاجتماع في المكان المقرر. والثالث هو أن يحضر الاجتماع أكثر من نصف الأعضاء.
وتعليقا على المادة (90)، ورد في المذكرة التفسيرية للدستور أن "نص هذه المادة لا يمنع دستوريا من اجتماع المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه إذا دعت ضرورة لذلك ووفقا لنظرية الضرورة وبشروطها القانونية المقررة." هذا ولم تتضمن المذكرة التفسيرية أي تعليق على نص المادة (97)، وبالتالي فإن فهم مقصود تلك المادة إنما يتم من خلال المعنى المباشر للنص، وهو نص واضح وصريح لا يحتاج إلى تفسير، فالمشرع الدستوري اكتفى، في إطار بيان النصاب اللازم لصحة اجتماعات مجلس الأمة، بحضور أكثر من نصف الأعضاء. ولما كانت المادة (80) من الدستور تنص على أنه "يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب. ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم"، فإن هذا يعني أنه يكفي، لصحة اجتماعات مجلس الأمة، حضور أكثر من نصف الأعضاء، سواء كان هذا النصف الذي حضر يتكون من أعضاء منتخبين فقط، أو أعضاء منتخبين وأعضاء بحكم وظائفهم (أي وزراء). فالمشرع الدستوري، في نص المادة (97)، لم يشترط حضور الوزراء لصحة اجتماعات مجلس الأمة. وبناء على ذلك، فإنه متى حضر، في الزمان والمكان المقررين لاجتماع مجلس الأمة، أكثر من نصف الأعضاء، انعقد الاجتماع صحيحا سواء بحضور الوزراء، أو بعضهم، أومن دون حضورهم.
(ب) وعلى الرغم من صراحة ووضوح نص المادة (97) المشار إليها أعلاه، وعدم تطلبه حضور الوزراء لصحة انعقاد اجتماعات مجلس الأمة، فإن ظاهر نص المادة (116) من الدستور يوحي بوجوب حضور الحكومة كشرط لصحة اجتماعات المجلس. فالفقرة الأخيرة من المادة (116) تنص على أنه ".. ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها"، بما مؤداه، حسب ظاهر النص، أنه لا يجوز عقد جلسات مجلس الأمة من دون حضور رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو أحدهم على الأقل.
وهنا يبدو الأمر كما لو أننا أمام حالة تعارض بين نصين دستوريين هما نص المادة (97) الذي لا يشترط حضور الوزراء لصحة اجتماعات مجلس الأمة، ونص الفقرة الأخيرة من المادة (116) الذي يوجب أن تمثل الوزارة برئيس مجلس الوزراء أو ببعض الوزراء، فكيف يمكن حل هذا التعارض؟
في الواقع، نرى أنه لا يوجد تعارض بين النصين على الإطلاق، فلكل نص مجاله، ولسنا في حاجة إلى بذل محاولة للتوفيق بين النصين أو تغليب أحدهما على الآخر.
فالمادة (97) هي التي وضعت شروط صحة اجتماعات مجلس الأمة، ولم تشترط حضور الوزراء. أما المادة (116) فلا صلة لها بشروط صحة تلك الاجتماعات، ولا يجوز اقتطاع الفقرة الأخيرة من تلك المادة وإخراجها من سياقها العام وصولا إلى القول بوجوب حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة من أجل صحة تلك الجلسات، بل لابد من تفسير الفقرة الأخيرة بوصفها جزء من نص المادة (116) ومرتبطة بما سبقها. فالمادة (116) تنص على أنه "يسمع رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام ولهم أن يستعينوا بمن يريدون من كبار الموظفين أو ينيبوهم عنهم. وللمجلس أن يطلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته. ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها". وهكذا نرى أن المادة (116) تنظم ثلاثة مسائل: الأولى هي مسألة حق رئيس مجلس الوزراء والوزراء في الحديث أثناء جلسات المجلس، حيث توجب منحهم الكلام كلما طلبوا ذلك. أما المسألة الثانية فهي الرخصة التي منحها المشرع الدستوري لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في الاستعانة بكبار الموظفين ورخصة إنابتهم عنهم في الحديث. أما المسألة الثالثة التي ينظمها نص المادة (116) فهي حق المجلس في طلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته.
أما بالنسبة لنص الفقرة الأخيرة من تلك المادة وهو "ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها"، فإن المقصود به لا يخرج عن أحد المعنيين التاليين:
المعنى الأول، الذي نميل إليه، هو التأكيد على عدم جواز تمثيل الوزارة بغير رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، أي وضع حدود للرخصة التي منحها المشرع الدستوري للحكومة بالاستعانة بكبار الموظفين ونيابتهم عنهم، وهذه الحدود هي عدم جواز تكليف كبار الموظفين (بتمثيل) الحكومة في جلسات المجلس. أي أن المادة (116) لا تشترط (حضور) الوزراء كي تصح اجتماعات مجلس الأمة، بل هي تقصر حق (تمثيل) الوزارة في جلسات مجلس الأمة على رئيس الوزارة أو الوزراء.
ويؤيد هذا الرأي أن المشرع الدستوري استخدم في هذه المادة لفظ (حضور) حين أشار إلى حق مجلس الأمة في طلب (حضور) الوزير المختص، واستخدم لفظ (تمثل) في أعقاب معالجته موضوع آخر لا علاقة له بشروط صحة انعقاد اجتماعات مجلس الأمة، وهو بيان حق رئيس مجلس الوزراء والوزراء في أن (يستعينوا) بمن يريدون من كبار الموظفين أو (ينيبوهم) عنهم. فالمشرع الدستوري، وبعد أن أجاز لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء الاستعانة بكبار الموظفين، حرص على بيان أن الوزارة (لا تمثل) في جلسات مجلس الأمة إلا برئيسها أو بعض أعضائها، وذلك بهدف تحديد نطاق الاستعانة بكبار الموظفين وبيان حدود نيابتهم عن الوزراء، وللتأكيد على عدم جواز أن تشمل تلك الاستعانة والنيابة قيام هؤلاء بتمثيل الوزارة في جلسات المجلس.
ولو أن المشرع الدستوري أراد حقا أن يوجب، لصحة اجتماعات مجلس الأمة، أن تحضر الوزارة، لأورد هذا الشرط في صلب المادة (97) وبصيغة واضحة لا لبس فيها. أما أن يشير المشرع الدستوري إلى وجوب (تمثيل) الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض وزرائها، فذلك كان فقط بهدف إغلاق الباب أمام تجاوز الرخصة التي منحها لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء بالاستعانة بكبار الموظفين. ويجدر بنا ملاحظة أن المشرع الدستوري استخدم لفظ (حضور) أكثر من نصف الأعضاء (اجتماعات) مجلس الأمة عند وضعه شروط صحة اجتماع مجلس الأمة في المادة (97)، في حين استخدم لفظ (تمثيل) ولفظ (جلسات) عند وضعه حدود استعانة الوزراء بكبار الموظفين في المادة (116). وهناك فارق كبير بين تحديد عدد أعضاء المجلس الذين يجب حضورهم لصحة تلك الاجتماعات (المادة 97)، وبين بيان من يحق له (تمثيل) الحكومة في (جلسات) المجلس (المادة 116).
ويمكن القول أن الخطاب في الفقرة الأخيرة من المادة (116) موجه إلى الحكومة لا إلى مجلس الأمة، أي أنه خطاب إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء بعدم جواز امتداد الاستعانة بكبار الموظفين ونيابتهم عن الوزراء لتصل إلى تمثيل الحكومة في حضور جلسات المجلس، وأن تمثيل الحكومة في تلك الجلسات يقتصر على رئيس مجلس الوزراء والوزراء فقط.
أما المعنى الثاني المحتمل للفقرة الأخيرة من المادة (116)، فهو أن تلك الفقرة تتضمن توجيها من المشرع الدستوري للحكومة بوجوب (حضور) جلسات مجلس الأمة، إذا اعتبرنا أن لفظ (تمثل الحكومة) يعني (تحضر الحكومة). ومع ذلك فإن نص الفقرة الأخيرة لا يتضمن أي جزاء لتخلف الحكومة أو امتناعها عن الحضور، أي أن المشرع الدستوري لم يعتبر (حضور) الحكومة من ضمن شروط صحة اجتماعات المجلس. فالخطاب هنا، وأيا كان معنى لفظ (تمثل)، موجه إلى الحكومة بهدف إلزامها بوجوب أن يمثلها رئيس مجلس الوزاء أو بعض الوزراء في جلسات مجلس الأمة، إلا أنه ليس بالضرورة أن تحضر الحكومة بكامل أعضائها بل يكفي حضور رئيس مجلس الوزراء أو بعض الوزراء، والبعض هنا تعني وزيرا واحدا أو أكثر. ووفق هذا المعنى للفقرة الأخيرة من المادة (116)، فإن عدم التزام الحكومة بحضور جلسات المجلس، وإن كان يشكل مخالفة دستورية، إلا أنها لا تبطل اجتماعات المجلس.
وبالبناء على ما سبق، نخلص إلى أنه لا يوجد تعارض بين نص المادة (97) ونص الفقرة الأخيرة من المادة (116) من الدستور. كما نخلص إلى أن شروط صحة اجتماع مجلس الأمة وردت في المادتين (90) و(97)، أما الفقرة الأخيرة من المادة (116) فلا صلة لها بشروط صحة اجتماعات مجلس الأمة.
ويؤيد هذا الرأي الذي انتهينا إليه، ما ورد في القرار الصادر من المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996 بتاريخ 8 يناير 1997 في شأن تفسير نص المادة (92) من الدستور وصولا إلى تحديد معنى الأغلبية المطلقة في انتخاب رئيس مجلس الأمة، حيث ذهبت المحكمة إلى أن تطبيق المادة (92) من الدستور في هذه المسألة يكون قاصرا، بما يلزم معه الرجوع للمادة (97) من الدستور. وعن نص هذه المادة، قالت المحكمة الدستورية أنه "يرسي الأصول العامة التي تهيمن على قرارات المجلس".
وقبل أن انتقل إلى الحديث حول طبيعة النظام الذي تبناه المشرع الدستوري في إطار العلاقة بين سلطات الدولة وتأثير هذا النظام على موضوع الدراسة، أود أن أعرض هنا ما خلصت إليه المحكمة الدستورية في شأن كيفية تفسير نصوص الدستور، وكيفية التعامل مع تلك النصوص في حالة الشك بوجود تعارض بينها، نظرا لفائدته في إطار فهم نصوص الدستور.
تقول المحكمة الدستورية في قرارها الصادر في طلب التفسير رقم (10) لسنة 2002 بتاريخ 2 فبراير عام 2003، وهي بصدد بيان ضوابط تفسير نصوص الدستور ".. وكان من المسلم به أن التوفيق بين النصوص كمنهج أصيل في التفسير يعني التقريب بين النصوص وترجيح الفهم الذي لا يقوم به التعارض بين أي منهما والآخر. وفي إطار إعمال نصوص الدستور والتوفيق بين أحكامها جميعا، فإن أصول التفسير توجب إعمال قواعد التخصيص والتقييد المتبادل بين أحكام الدستور، بما يجعل بعضها يفسر بعضا، فالنصوص لا يفهم بعضها بمعزل عن البعض الآخر، وإنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء دلالة باقي النصوص، الأمر الذي يتطلب إمعان النظر إلى تلك النصوص جميعها بوصفها متآلفة فيما بينها، متجانسة معانيها، متضافرة توجهاتها، بما لا تنفلت معها متطلبات تطبيقها، أو يبتعد بها عن الغاية المقصودة...". وتضيف المحكمة "استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية وفقا لمناهج التفسير إنما يقتضي دوما التوفيق بين النصوص باعتبارها محددات ومكملات بعضها للبعض، وترجيح المفاد الذي لا يقوم به التعارض بين أي منهما والآخر، وأنه إذا وجد أكثر من وجه لفهم المعنى أحدهما يجعل النص مشوبا بالتناقض ويؤدي إلى إبطال حكمه، والآخر يرفع هذا التناقض ويؤدي إلى إعماله تعين الالتزام بهذا الوجه لإعمال مقتضاه، ما دامت عبارة النص تحتمل هذا الفهم بحسبان أن إعمال النصوص خير من إهمالها، وأن المشرع إذا وضع نصا دستوريا فقد وجب التزامه ويمتنع مخالفته". وتضيف أيضا "ولا مراء في أن نصوص الدستور تستوي على قمة القواعد الآمرة، مما يتعين التزامها، وأن تلك النصوص لا تتعارض أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار نسيج متماسك ينتظمها، وأن الاعتبارات العملية ليس من شأنها تغيير أحكام الدستور أو تعديل الاستدلال عليها، بتفسير نصوصها تفسيرا يصرفها إلى غير معناها، أو يفرغها من مضمونها.. وأنه لا محل لقالة إلغاء نصوص الدستور بعضها لبعض، إذ أن لكل نص منها مضمونا قائما بذاته لا ينعزل عن غيره من النصوص أو ينفك عنها أو ينافيها أو يسقطها بل يتساند معها في تحقيق الأغراض التي ترنو إليها وتجمعها المقاصد الكلية المنشودة منها".
ثانيا: طبيعة النظام الذي تبناه المشرع الدستوري في إطار العلاقة بين سلطات الدولة
من الخطأ أن نحاول فهم أو تفسير النصوص الدستورية بمعزل عن بعضها، فنصوص الدستور ليست شتاتا بلا غاية، وليست أوامر منفصلة عن بعضها، بل هي مجموعة من القواعد يجب تفسيرها تحت مظلة واحدة. وحين يقال أن المادة (116) من الدستور تتطلب حضور الحكومة كشرط لصحة اجتماعات مجلس الأمة، وأن غياب الحكومة، المتعمد أو المعذور، يرتب فقدان النصاب وعدم انعقاد اجتماعات المجلس، فإن هذا القول يعني أن للحكومة، منفردة، أن تتحكم وتسيطر على عقد اجتماعات المجلس. فهي إن أرادت للمجلس أن يجتمع، حضرت الجلسة، وإن أرادت إلغاء اجتماع المجلس امتنعت عن حضور الجلسة. ولا يمكن وصف هذا الفهم سوى بأنه فهم شاذ لا ينسجم أبدا مع جوهر النظام السياسي والتنظيم الدستوري الذي وضعه الدستور. فحين تكون السيادة للأمة، وحين تكون الأمة هي مصدر السلطات جميعا، وحين تكون الكلمة الأخيرة في التشريع والرقابة هي لمجلس الأمة، وحين تكون الكلمة الأخيرة في تعيين ولي العهد لمجلس الأمة، وحين تكون الكلمة الأخيرة في تعيين رئيس الدولة، في حالة التعيين المباشر، هي لمجلس الأمة، وحين يكون لمجلس الأمة حق نزع الثقة من الوزير وحق إصدار قرار بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء.. فهل يستقيم، بعد ذلك كله، القول بأن للحكومة الحق في منع انعقاد جلسات مجلس الأمة من خلال الغياب عن الجلسات؟!
إن القول بحق الحكومة في تعطيل انعقاد اجتماعات مجلس الأمة هو خروج صارخ عن جوهر الدستور، وانتهاك صريح لمبدأ سيادة الأمة وديمقراطية الحكم.
تنص المادة (6) من الدستور على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور". إن مبدأ ديمقراطية الحكم، ومبدأ سيادة الأمة، ليسا مجرد شعارات سياسية براقة كي يتم التعامل معها باعتبارها "ديكورات دستورية" تزين صدر الدستور، بل هي مبادئ أساسية تهيمن على تفاصيل النظام السياسي والتنظيم الدستوري للحكم وللعلاقة بين السلطات العامة. فمبدأ سيادة الأمة هو المبدأ العام الذي يحكم العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة، وفي ظل هذا المبدأ لا يجوز منح الحكومة أي مزية دستورية توفر لإرادتها التفوق على إرادة الأمة التي يمثلها مجلس الأمة، أو تجعل كلمتها تعلو على كلمة مجلس الأمة.
ولو أننا أمعنا النظر في كافة النصوص الدستورية المنظمة للعلاقة بين مجلس الأمة والحكومة، سنجد أن المشرع الدستوري استجاب إلى مبدأ سيادة الأمة وذلك بتغليب إرادة المجلس على إرادة الحكومة، بل أن الدستور جعل إرادة مجلس الأمة في التشريع والرقابة هي الإرادة النهائية. ففي إطار التشريع فإنه وإن كان يحق لرئيس الدولة أن يطلب إعادة النظر في مشروع القانون الذي أقره المجلس، إلا أنه متى ما أصر المجلس على إقرار القانون بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم، فلابد من صدور القانون (المادة 66). أما في إطار الرقابة على أعمال الحكومة، فإن الدستور يخضع رئيس مجلس الوزراء والوزراء لمحاسبة مجلس الأمة من خلال الاستجواب (المادة 100)، وحق مجلس الأمة في نزع الثقة عن الوزير وإصدار قرار بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (المادة 101 والمادة 102). بل أنه إذا قرر الأمير حل مجلس الأمة في أعقاب قرار من مجلس الأمة بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وأصر المجلس الجديد على عدم التعاون، فليس لرئيس الدولة سوى القبول بالأمر وتعيين رئيس وزراء آخر.
إن النصوص الدستورية التي تضع إرادة الأمة فوق إرادة غيرها، متعددة تأتي جميعها استجابة لمبدأ سيادة الأمة، فهل يجوز القول أن للحكومة أن تعطل جلسات المجلس؟!
ولو أننا تمعنا في نص المادة (86) من الدستور لوجدنا أن الدستور يوجب صدور مرسوم أميري بدعوة مجلس الأمة لانعقاد دوره العادي خلال شهر أكتوبر من كل عام، لكن إذا لم يصدر هذا المرسوم قبل أول شهر أكتوبر، اعتبر موعد الانعقاد الساعة التاسعة من صباح السبت الثالث من ذلك الشهر. فإذا كان الدستور يأمر بانعقاد مجلس الأمة في موعد محدد في بداية دور الانعقاد تحسبا لعدم إصدار مرسوم الدعوة إلى الاجتماع، فهل يعقل أن يرهن هذا الدستور انعقاد الجلسات العادية بموافقة أو حضور الحكومة؟!
ولو أننا تمعنا أيضا في نص المادة (87) من الدستور لوجدنا أنه إذا لم يصدر مرسوم الدعوة لأول اجتماع لمجلس الأمة بعد الانتخابات العامة للمجلس خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات، يعتبر المجلس مدعوا للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين، فهل يعقل أن يتخطى الدستور عقبة إصدار مرسوم أميري لاجتماعات مجلس الأمة، ثم يشترط حضور الحكومة لصحة تلك الاجتماعات؟!
ولو أننا تمعنا في نص المادة (107) من الدستور لوجدنا أنه إذا حل رئيس الدولة مجلس الأمة ولم تتم انتخابات المجلس الجديد خلال شهرين من تاريخ الحل، يسترد مجلس الأمة المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، فهل يعقل أن يتعامل الدستور مع المرسوم الأميري بحل مجلس الأمة باعتباره كأن لم يكن إذا لم تتم الانتخابات الجديدة في الموعد الدستوري، ثم يشترط حضور الحكومة لصحة اجتماعاته؟!
ولو أننا تمعنا في نص المادة (106) من الدستور، لوجدنا أنها تجيز للأمير، بمرسوم، تأجيل اجتماع مجلس الأمة لمدة لا تجاوز شهرا، فما هي جدوى هذه المادة إذا كان بإمكان الحكومة، وفق التفسير الشاذ للمادة (116)، أن تمتنع عن حضور جلسات المجلس فتعطل أعماله لمدة غير محددة؟!
حاصل القول، وفي حدود نصوص المواد التي عرضناها قبل قليل، فأنه إذا كان الدستور وضع ضمانات كافية لانعقاد مجلس الأمة بعد الانتخابات أو في أدوار الانعقاد التالية، أو إذا لم تم الانتخابات وفق المادة (107)، وكانت هذه الضمانات كلها تتخطى صدور المراسيم الأميرية اللازمة في حال عدم صدورها، فهل يمكن تعليق انعقاد جلسات مجلس الأمة على حضور الحكومة؟ لو قلنا نعم، لابد من حضور الحكومة، فإن هذا يعني أن كل النصوص الدستورية السابقة هي من قبيل اللغو. فإذا كان الدستور في المادة (107)، على سبيل المثال، يأمر باسترداد مجلس الأمة المنحل كافة سلطته الدستورية وكأن الحل لم يكن، فإنه بإمكان الحكومة أن تمتنع عن حضور الجلسات فلا تنعقد اجتماعات مجلس الأمة، وهكذا تفرغ النصوص الدستورية من مضمونها وتتحول إلى عبث ولغو، وهذا بالطبع غير مقبول على الإطلاق.
نخلص مما سبق كله إلى أن التفسير الصحيح للفقرة الأخيرة من المادة (116) من الدستور هو ذلك التفسير الذي ينسجم مع النظام السياسي والتنظيم الدستوري للعلاقة بين السلطات العامة، فنظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها، وهذا مبدأ جوهري من المبادئ الدستورية، والقول بحق الحكومة في عدم حضور جلسات مجلس الأمة وبالتالي عدم انعقاد اجتماعات المجلس، يعني في الواقع إهدار لمبدأ الفصل بين السلطات، وإهدار لمبدأ التعاون الدستوري على نحو يهدم أركان الدستور الأخرى.
ثالثا: على ضوء ما جرى عليه العمل بشأن أثر عدم حضور الحكومة
أشرت في مقدمة الدراسة إلى أنه يمكن لمن يريد إغلاق باب النقاش حول تاثير عدم حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة أن يدعي بوجود (عرف مستقر) يفيد بأن حضور الحكومة جلسات المجلس يعتبر شرطا لصحة اجتماعاته، وأنه بالتالي، يبطل أي قرار يتخذه مجلس الأمة في جلسة لم تمثل فيها الحكومة. وأشرت أيضا إلى أن لهذا القول وجاهته، لكن الجزم به يستدعي التروي. فالعرف الدستوري، فضلا عن اختلاف الرأي فيه، يحتاج القول بوجوده إلى شروط وضوابط. وقبل أن نبين رأينا في مدى وجود عرف دستوري ينظم المسألة محل هذه الدراسة، يلزم الانتباه إلى أن الدستور الكويتي هو دستور مكتوب وجامد. كما علينا معرفة أن العرف لا يمكن أن ينشأ بالمخالفة لنص دستوري. كما أنه من المقرر أيضا أن النصوص الدستورية لا تسقط بمرور الزمن. فضلا عن ذلك، فإن الغلط في فهم وتطبيق النص الدستوري، وإن استطال ردحا من الزمن، لا يحول دون استرداد الفهم الصحيح وبالتالي التطبيق الصحيح لهذا النص. وليس بوسع أي سلطة الزعم بوجود "حق مكتسب" لها في التطبيق الخاطئ لنصوص الدستور.
ويرى الدكتور عبدالفتاح حسن أن العرف هو "تواتر العمل وفقا لمسلك معين في أحد الموضوعات الدستورية بحيث يكتسب هذا المسلك صفة الالزام. ثم يضيف "أن العرف، كمصدر للقاعدة الدستورية، له ركنان، لا تظهر القاعدة الدستورية العرفية إلا بتوافرهما معا: (أ) ركن مادي: وهو يظهر في اضطراد السلطات العامة، سواء في علاقاتها فيما بينها، أو في علاقاتها بالأفراد، على اتباع مسلك معين (واقعي أو قانوني)، وذلك دون اعتراض من إحداهما ودون اعتراض من جانب أفراد الجماعة. (ب) ركن معنوي: أن يستشعر الجميع، السلطات العامة والأفراد، إن هذا المسلك قد صار واجب الاحترام، أي ملزما، وهو ما ينبع من تواتر العمل عليه مدة طويلة".
ويرى الدكتور عادل الطبطبائي أن الدستور الكويتي يعترف بالعرف كمصدر للقواعد الدستورية، لاسيما أن هذا الدستور دستور مختصر "يسمح بظهور العرف الدستوري إلى جواره ليفسر نصوصه أو يكملها أو ينشئ قواعد جديدة تقف إلى جانب نصوصه ولا تعارضه"، ويضيف "والواقع أن العرف الدستوري أصبح اليوم حقيقة قانونية في النظام الدستوري الكويتي، إذ أن جانبا من النظام الدستوري يقوم أساسا على القواعد العرفية التي تكونت خلال السنوات التالية لبدء العمل بأحكام الدستور".
والعرف الدستوري (المفسر) لا يظهر إلا في حالة غموض النص الدستوري الذي ينظم مسألة ما، فيأتي العرف المفسر ليقدم تفسيرا لهذا النص الغامض، وبالتالي فإذا كان النص واضحا وصريحا، فإنه لا مجال للقول بوجود عرف مفسر له. أما العرف الدستوري (المكمل) فهو يظهر حين يوجد نقص في التنظيم الدستوري للمسألة، فيأتي العرف المكمل ليضيف إلى النص الدستوري ما ينقصه. أما العرف (المنشئ) فإنه لا يظهر إلا في حالة خلو الدستور من تنظيم للمسألة، فيظهر عرف منشئ ليخلق قاعدة دستورية جديدة.
ويورد الدكتور عادل الطبطبائي مثالا على العرف الدستوري المفسر حيث يقرر "أن الدستور لم يقصد منع أصحاب المهن الحرة من تولي منصب الوزارة، ولكن يمنع على صاحب المهنة الحرة ممارستها منذ لحظة توليه مهام منصبه الوزاري، ولقد شهدت الوزارات الكويتية المتعاقبة منذ عام 1965 دخول كثير من أصحاب المهن الحرة، لاسيما التجار، في صفوفها، مما يمكن معه القول بقيام عرف دستوري مفسر مؤداه أن المادة المذكورة (ويقصد المادة 131 من الدستور) تجيز اختيار الوزراء من بين اصحاب المهن الحرة".
أما بالنسبة للعرف المكمل، فيقدم الدكتور عادل الطبطبائي مثالا له وهو "ما استقر عليه العمل من قيام الأمير بإلقاء نطق أميري عند افتتاح كل دورة عادية لمجلس الأمة".
أما بالنسبة للعرف الدستوري المنشئ، فيقدم الدكتور عادل الطبطبائي مثالا له وهو "أن الشكاوى والعرائض التي يتقدم بها المواطنون، وتدرسها لجنة الشكاوى والعرائض في المجلس، يتم إحالتها دون مناقشة إلى الحكومة إذا أقرتها اللجنة".
وهكذا نرى أنه لا مجال للقول بوجود عرف مفسر أو مكمل أو منشئ متى كان هناك نص دستوري واضح وصريح يعالج المسألة المطروحة مهما تواتر العمل واستقر على تطبيق خاطئ للنص الدستوري، فهذا التطبيق المخالف للنص الدستوري لا يكتسب الصحة بمرور الزمن.
وقد يرى البعض أن الدستور الكويتي يتيح المجال لظهور العرف الدستوري (المعدل)، أي الذي يعدل النص الدستوري القائم، سواء بالحذف منه أو بالإضافة إليه. وهذا القول في رأينا غير سديد، فالعرف المعدل "هو الذي ينشأ إلى جوار نصوص الدستور المكتوب فيعدل في أحكامها تعديلا جوهريا بحيث تتغير الفكرة التي قامت عليها أصلا".
ويرى الدكتور طعيمة الجرف أنه "ليس للعرف الدستوري أية قيمة قانونية يمكن أن يرتبها على خلاف النصوص المدونة في الدساتير المكتوبة، لأن القول بغير ذلك معناه- كما أكد الأستاذ فيدل- وجوب التخلي عن فكرة الدستور المكتوب (أي الدستور في معناه الرسمي) ما دام القانون الدستوري يمكن أن يستمد قواعده من واقعة الاعتداء على نصوص هذا الدستور كما يستمدها من احترام نصوصه".
ويذهب الدكتور عادل الطبطبائي إلى القول "والواقع أنه لا يمكننا التسليم بوجود عرف دستوري معدل في الكويت، لكونه يغير من طبيعة النظام الدستوري التعاقدي الذي يقوم على أساس توزيع متوازن للاختصاصات بين الحكومة والبرلمان، وقيام عرف معدل لابد وأن يرجح كفة اختصاصات طرف على حساب طرف آخر، الأمر الذي يتعارض مع طبيعة النظام الذي أوجده الدستور".
ودعما لرأينا المعارض لفكرة العرف الدستوري المعدل بالحذف أو بالإضافة، نقول لقد تم حل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور وتعطيل أعمال مجلس الأمة وإهدار مبدأ الفصل بين السلطات ودمج السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذي.. لقد حدث هذا مرتين، الأولى في العام 1976 والثانية في العام 1986 وقد استمر ذلك الوضع الشاذ نحو خمس سنوات في كل مرة، فهل يمكن القول أنه أصبح لدينا عرف دستوري معدل عن طريق الإضافة يجيز حل مجلس الأمة وتعليق العمل بالدستور؟!
وهل يمكن القول أن تعامل مجلس الأمة مع المراسيم بالقوانين التي صدرت في فترة تعطيل مجلس الأمة باعتبارها مراسيم ضرورة يعني قبول مجلس الأمة "بعرف الحل غير الدستوري"؟!
بالطبع لا مجال للموافقة على ذلك.
الخلاصة
نخلص مما سبق إلى أنه، وأيا كان وجه الرأي في تواتر العمل على اعتبار حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة شرطا لصحة اجتماعات مجلس الأمة، وأيا كان الرأي بشأن موافقة أو اعتراض مجلس الأمة على هذا الأمر، فإنه لا يمكن القول أن تواتر العمل قد أنشأ عرفا دستوريا معدلا لنص المادة (97) من الدستور التي لم تشترط لصحة اجتماعات مجلس الأمة سوى حضور أكثر من نصف الأعضاء في الزمان والمكان المقررين للاجتماع. كما لا يمكن أن يقال بأن تواتر العمل هذا يعني أنه قد ظهر عرف دستوري مفسر لنص الفقرة الأخيرة من المادة (116) على نحو يؤدي إلى القول بأن تلك الفقرة تعني وجوب حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة لصحة انعقادها، فتلك المادة، كما أوضحنا من قبل، تتضمن خطابا ملزما للحكومة مفاده أنه لا يجوز أن يمثلها في جلسات المجلس غير الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء، بما مؤداه عدم جواز خروج استعانة رئيس مجلس الوزراء والوزراء بكبار الموظفين عن نطاقها فتصل إلى حد تكليفهم بتمثيل الحكومة في الجلسات.
وإذا كان الدستور يرهن عقد أولى جلسات مجلس الأمة بعد الانتخابات بصدور مرسوم أميري، أي بإرادة أميرية، ويحدد موعدا يوجب صدور هذه الإرادة قبل حلوله، ثم يحتاط لعدم صدور المرسوم الأميري بدعوة المجلس للانعقاد فيقرر عدم منح الامتناع عن إصدار المرسوم أي قيمة، ويتيح للمجلس عقد جلسته الأولى رغم عدم صدور المرسوم..
وإذا كان الدستور أيضا يرهن عقد مجلس الأمة أولى جلساته في أدوار الانعقاد التالية بصدور مرسوم أميري بالدعوة إلى الاجتماع، ثم يحتاط أيضا لحالة امتناع الأمير عن إصدار المرسوم ويتيح للمجلس الاجتماع في موعد محدد حتى ولو لم يصدر المرسوم..
وإذا كان الدستور يرهن مشروعية المرسوم الأميري الصادر بحل مجلس الأمة بصدور مرسوم اميري آخر بالدعوة إلى الانتخابات الجديدة وإجرائها خلال شهرين من تاريخ صدور مرسوم الحل، ثم يحتاط أيضا لحالة امتناع الأمير عن إصدار مرسوم الدعوة للانتخابات الجديدة في الموعد المحدد فيقرر استرداد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويعتبر مرسوم الحل كأن لم يكن، ويدعو المجلس المنحل للاجتماع فورا ..
فإذا كان الدستور لم يرهن عقد اجتماعاته بموافقة رئيس الدولة عن طريق إصدار المراسيم الأميرية المطلوبة، فهل من المقبول عقلا ومنطقا أن ترهن الفقرة الأخيرة من المادة (116) من الدستور التي تنص على أنه ".. ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها" صحة اجتماعات مجلس الأمة بحضور الحكومة؟!
إن اعتبار حضور الحكومة شرطا لصحة اجتماعات مجلس الأمة هو مخالفة دستورية تواتر العمل عليها لمدة طويلة، وليس هناك سند دستوري يجيز تحويل (المخالفات الدستورية) إلى (أعراف دستورية) ملزمة، منشئة أومفسرة أو مكملة أو معدلة بالحذف أو بالإضافة، وبالتالي فليس هناك، في رأينا، ما يحول بين مجلس الأمة وبين عقد اجتماعاته في الزمان والمكان المقررين من دون حضور الحكومة متى حضر أكثر من نصف الأعضاء.
وفي الختام، لنا كلمة أخيرة..
إذا كنا قد انتهينا إلى أن عدم حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة لا يبطل اجتماعاته، فإن الوجه الآخر لهذه النتيجة هو أن الحكومة، كأصل عام، غير ملزمة بحضور جلسات المجلس، أو أنه يكفي أن تمثل بوزير واحد. لذلك فإنه قد يكون من الملائم سياسيا، وبعد أن طرحنا رأينا الدستوري في مسألة حضور الحكومة اجتماعات مجلس الأمة على النحو الذي انتهينا إليه، وفي محاولة لإعادة تنظيم وصياغة العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة، ونحن في خضم الفوضى السياسية التي تنتاب العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة منذ سنوات طويلة.. فوضى أرهقت الدولة، وحرفت مسار العمل السياسي عن موضعه، وتسببت في حالة من عدم الاستقرار الوزاري، بل وعدم الاستقرار البرلماني مما أدى إلى حالة من التشذرم والتبعثر السياسي للدولة.. نقول لعله من المناسب أن نناقش مسألة حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة، ليس من وجهة نظر دستورية، بل من وجهة نظر سياسية، إذ قد يكون من الملائم سياسيا أن تكتفي الحكومة في جلسات مجلس الأمة بحضور ممثل عنها، أي أن تمثل بوزير واحد فقط، إلا في الحالات التي يتطلبها الدستور، أو في حالة التصويت على مشروع أو اقتراح بقانون يحظى بأهمية، أو في حالة رغبة الحكومة في تقديم بيانات وشرح سياسات، وذلك كي نتمكن من تطوير خطاب مجلس الأمة، وكي نتخلص من الجدل العقيم والمساجلات التي تشهدها جلسات المجلس بين النواب والوزراء.. على أي حال، فإن هذا الموضوع، وموضوعات أخرى ذات صلة بالعلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة، تحتاج إلى تعليق سياسي في مناسبة أخرى.
عن جلسات مجلس الأمة
محمد عبدالقادر الجاسم
مقدمة:
أثار غياب الحكومة عن جلسات مجلس الأمة مؤخرا حالة نقاش دستوري حول أثر هذا الغياب على صحة اجتماعات المجلس. ومن باب محاولة اختصار النقاش، قد يرى البعض أنه جرى العمل، طوال العقود الأربعة الماضية، على اعتبار حضور الحكومة، ولو بوزير واحد، شرطا لصحة اجتماعات مجلس الأمة، وهو ما يعني وجود (عرف مفسر) مستقر لنص الفقرة الأخيرة من المادة (116) التي تقرر أنه "تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها"، إذا اعتبرنا أن هذا النص غامض. أو يعني وجود (عرف منشئ) لقاعدة دستورية جديدة توجب حضور الحكومة لصحة اجتماعات مجلس الأمة، إذا أخذنا بفكرة خلو الدستور من نص ينظم هذه المسألة، أو يعني وجود (عرف معدل بالإضافة) أو (عرف معدل بالإسقاط) لنص المادة (97) من الدستور إذا جزمنا بأنه، أي النص، لا يشترط حضور الحكومة لصحة اجتماعات مجلس الأمة مكتفيا بحضور أكثر من نصف الأعضاء، أو يعني وجود (عرف مكمل) إذا قلنا أن التظيم الدستوري للمسألة كان ناقصا.
أي أنه إذا اعتبرنا تكرار قبول كل من مجلس الأمة والحكومة، طوال العقود الأربعة الماضية، التعامل مع حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة بوصفه شرطا لصحة اجتماعات المجلس، وبالتالي فإن عدم حضورها يعني عدم جواز انعقاد جلسات المجلس، إذا اعتبرنا ذلك من قبيل (العرف الدستوري) المفسر أو المكمل أو المنشئ أو المعدل بأحد نوعيه، فإن النقاش الحالي يضحى بلا معنى، وبلا أهمية، ويجب الالتزام بهذا العرف، وبالتالي لا يجوز عقد اجتماع لمجلس الأمة من دون حضور الحكومة.
وعلى الرغم من وجاهة الحجة السابقة في عمومها، إلا أن المسألة المطروحة للنقاش تستدعي التروي في إصدار الرأي، أخذا في الاعتبار أن للعرف الدستوري، بأنواعه المختلفة، ضوابط واشتراطات، فلا يكفي أبدا تواتر العمل على نمط واحد كي نقفز إلى استنتاج وجود العرف الدستوري، أيا كان نوعه، ثم نغلق باب النقاش على هذا الأساس.
وعلى ذلك، فإن هذه الدراسة الموجزة تسعى للوصول إلى رأي محايد في مسألة تأثير غياب الحكومة على صحة انعقاد اجتماعات مجلس الأمة، وذلك على ضوء الدلالة المباشرة لنصوص المواد (80 و90 و97 و116) من الدستور أولا، وعلى ضوء طبيعة النظام الذي تبناه المشرع الدستوري في العلاقة بين السلطات العامة في الدولة بالارتباط بنصوص المواد (6 و50 و66 و87 و100 و101 و102 و107) ومواد أخرى من الدستور ثانيا، وعلى ضوء ما جرى عليه العمل في التعامل مع غياب الحكومة عن جلسات مجلس الأمة ثالثا.
أولا: دلالة المواد (80) و(90) و(97) و(116)
(أ) تنص المادة (90) من الدستور على أنه "كل اجتماع يعقده المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه يكون باطلا، وتبطل بحكم القانون القرارات التي تصدر فيه". كما تنص المادة (97) من الدستور على أنه "يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة. وعند تساوي الأصوات يعتبر الأمر الذي جرت المداولة في شأنه مرفوضا".
ويستفاد من النصين السابقين أن المشرع الدستوري اشترط لصحة اجتماعات مجلس الأمة شروطا ثلاثة: الأول هو أن يعقد الاجتماع في الزمان المقرر. والثاني هو أن يعقد الاجتماع في المكان المقرر. والثالث هو أن يحضر الاجتماع أكثر من نصف الأعضاء.
وتعليقا على المادة (90)، ورد في المذكرة التفسيرية للدستور أن "نص هذه المادة لا يمنع دستوريا من اجتماع المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه إذا دعت ضرورة لذلك ووفقا لنظرية الضرورة وبشروطها القانونية المقررة." هذا ولم تتضمن المذكرة التفسيرية أي تعليق على نص المادة (97)، وبالتالي فإن فهم مقصود تلك المادة إنما يتم من خلال المعنى المباشر للنص، وهو نص واضح وصريح لا يحتاج إلى تفسير، فالمشرع الدستوري اكتفى، في إطار بيان النصاب اللازم لصحة اجتماعات مجلس الأمة، بحضور أكثر من نصف الأعضاء. ولما كانت المادة (80) من الدستور تنص على أنه "يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب. ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم"، فإن هذا يعني أنه يكفي، لصحة اجتماعات مجلس الأمة، حضور أكثر من نصف الأعضاء، سواء كان هذا النصف الذي حضر يتكون من أعضاء منتخبين فقط، أو أعضاء منتخبين وأعضاء بحكم وظائفهم (أي وزراء). فالمشرع الدستوري، في نص المادة (97)، لم يشترط حضور الوزراء لصحة اجتماعات مجلس الأمة. وبناء على ذلك، فإنه متى حضر، في الزمان والمكان المقررين لاجتماع مجلس الأمة، أكثر من نصف الأعضاء، انعقد الاجتماع صحيحا سواء بحضور الوزراء، أو بعضهم، أومن دون حضورهم.
(ب) وعلى الرغم من صراحة ووضوح نص المادة (97) المشار إليها أعلاه، وعدم تطلبه حضور الوزراء لصحة انعقاد اجتماعات مجلس الأمة، فإن ظاهر نص المادة (116) من الدستور يوحي بوجوب حضور الحكومة كشرط لصحة اجتماعات المجلس. فالفقرة الأخيرة من المادة (116) تنص على أنه ".. ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها"، بما مؤداه، حسب ظاهر النص، أنه لا يجوز عقد جلسات مجلس الأمة من دون حضور رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو أحدهم على الأقل.
وهنا يبدو الأمر كما لو أننا أمام حالة تعارض بين نصين دستوريين هما نص المادة (97) الذي لا يشترط حضور الوزراء لصحة اجتماعات مجلس الأمة، ونص الفقرة الأخيرة من المادة (116) الذي يوجب أن تمثل الوزارة برئيس مجلس الوزراء أو ببعض الوزراء، فكيف يمكن حل هذا التعارض؟
في الواقع، نرى أنه لا يوجد تعارض بين النصين على الإطلاق، فلكل نص مجاله، ولسنا في حاجة إلى بذل محاولة للتوفيق بين النصين أو تغليب أحدهما على الآخر.
فالمادة (97) هي التي وضعت شروط صحة اجتماعات مجلس الأمة، ولم تشترط حضور الوزراء. أما المادة (116) فلا صلة لها بشروط صحة تلك الاجتماعات، ولا يجوز اقتطاع الفقرة الأخيرة من تلك المادة وإخراجها من سياقها العام وصولا إلى القول بوجوب حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة من أجل صحة تلك الجلسات، بل لابد من تفسير الفقرة الأخيرة بوصفها جزء من نص المادة (116) ومرتبطة بما سبقها. فالمادة (116) تنص على أنه "يسمع رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام ولهم أن يستعينوا بمن يريدون من كبار الموظفين أو ينيبوهم عنهم. وللمجلس أن يطلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته. ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها". وهكذا نرى أن المادة (116) تنظم ثلاثة مسائل: الأولى هي مسألة حق رئيس مجلس الوزراء والوزراء في الحديث أثناء جلسات المجلس، حيث توجب منحهم الكلام كلما طلبوا ذلك. أما المسألة الثانية فهي الرخصة التي منحها المشرع الدستوري لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في الاستعانة بكبار الموظفين ورخصة إنابتهم عنهم في الحديث. أما المسألة الثالثة التي ينظمها نص المادة (116) فهي حق المجلس في طلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته.
أما بالنسبة لنص الفقرة الأخيرة من تلك المادة وهو "ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها"، فإن المقصود به لا يخرج عن أحد المعنيين التاليين:
المعنى الأول، الذي نميل إليه، هو التأكيد على عدم جواز تمثيل الوزارة بغير رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، أي وضع حدود للرخصة التي منحها المشرع الدستوري للحكومة بالاستعانة بكبار الموظفين ونيابتهم عنهم، وهذه الحدود هي عدم جواز تكليف كبار الموظفين (بتمثيل) الحكومة في جلسات المجلس. أي أن المادة (116) لا تشترط (حضور) الوزراء كي تصح اجتماعات مجلس الأمة، بل هي تقصر حق (تمثيل) الوزارة في جلسات مجلس الأمة على رئيس الوزارة أو الوزراء.
ويؤيد هذا الرأي أن المشرع الدستوري استخدم في هذه المادة لفظ (حضور) حين أشار إلى حق مجلس الأمة في طلب (حضور) الوزير المختص، واستخدم لفظ (تمثل) في أعقاب معالجته موضوع آخر لا علاقة له بشروط صحة انعقاد اجتماعات مجلس الأمة، وهو بيان حق رئيس مجلس الوزراء والوزراء في أن (يستعينوا) بمن يريدون من كبار الموظفين أو (ينيبوهم) عنهم. فالمشرع الدستوري، وبعد أن أجاز لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء الاستعانة بكبار الموظفين، حرص على بيان أن الوزارة (لا تمثل) في جلسات مجلس الأمة إلا برئيسها أو بعض أعضائها، وذلك بهدف تحديد نطاق الاستعانة بكبار الموظفين وبيان حدود نيابتهم عن الوزراء، وللتأكيد على عدم جواز أن تشمل تلك الاستعانة والنيابة قيام هؤلاء بتمثيل الوزارة في جلسات المجلس.
ولو أن المشرع الدستوري أراد حقا أن يوجب، لصحة اجتماعات مجلس الأمة، أن تحضر الوزارة، لأورد هذا الشرط في صلب المادة (97) وبصيغة واضحة لا لبس فيها. أما أن يشير المشرع الدستوري إلى وجوب (تمثيل) الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض وزرائها، فذلك كان فقط بهدف إغلاق الباب أمام تجاوز الرخصة التي منحها لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء بالاستعانة بكبار الموظفين. ويجدر بنا ملاحظة أن المشرع الدستوري استخدم لفظ (حضور) أكثر من نصف الأعضاء (اجتماعات) مجلس الأمة عند وضعه شروط صحة اجتماع مجلس الأمة في المادة (97)، في حين استخدم لفظ (تمثيل) ولفظ (جلسات) عند وضعه حدود استعانة الوزراء بكبار الموظفين في المادة (116). وهناك فارق كبير بين تحديد عدد أعضاء المجلس الذين يجب حضورهم لصحة تلك الاجتماعات (المادة 97)، وبين بيان من يحق له (تمثيل) الحكومة في (جلسات) المجلس (المادة 116).
ويمكن القول أن الخطاب في الفقرة الأخيرة من المادة (116) موجه إلى الحكومة لا إلى مجلس الأمة، أي أنه خطاب إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء بعدم جواز امتداد الاستعانة بكبار الموظفين ونيابتهم عن الوزراء لتصل إلى تمثيل الحكومة في حضور جلسات المجلس، وأن تمثيل الحكومة في تلك الجلسات يقتصر على رئيس مجلس الوزراء والوزراء فقط.
أما المعنى الثاني المحتمل للفقرة الأخيرة من المادة (116)، فهو أن تلك الفقرة تتضمن توجيها من المشرع الدستوري للحكومة بوجوب (حضور) جلسات مجلس الأمة، إذا اعتبرنا أن لفظ (تمثل الحكومة) يعني (تحضر الحكومة). ومع ذلك فإن نص الفقرة الأخيرة لا يتضمن أي جزاء لتخلف الحكومة أو امتناعها عن الحضور، أي أن المشرع الدستوري لم يعتبر (حضور) الحكومة من ضمن شروط صحة اجتماعات المجلس. فالخطاب هنا، وأيا كان معنى لفظ (تمثل)، موجه إلى الحكومة بهدف إلزامها بوجوب أن يمثلها رئيس مجلس الوزاء أو بعض الوزراء في جلسات مجلس الأمة، إلا أنه ليس بالضرورة أن تحضر الحكومة بكامل أعضائها بل يكفي حضور رئيس مجلس الوزراء أو بعض الوزراء، والبعض هنا تعني وزيرا واحدا أو أكثر. ووفق هذا المعنى للفقرة الأخيرة من المادة (116)، فإن عدم التزام الحكومة بحضور جلسات المجلس، وإن كان يشكل مخالفة دستورية، إلا أنها لا تبطل اجتماعات المجلس.
وبالبناء على ما سبق، نخلص إلى أنه لا يوجد تعارض بين نص المادة (97) ونص الفقرة الأخيرة من المادة (116) من الدستور. كما نخلص إلى أن شروط صحة اجتماع مجلس الأمة وردت في المادتين (90) و(97)، أما الفقرة الأخيرة من المادة (116) فلا صلة لها بشروط صحة اجتماعات مجلس الأمة.
ويؤيد هذا الرأي الذي انتهينا إليه، ما ورد في القرار الصادر من المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996 بتاريخ 8 يناير 1997 في شأن تفسير نص المادة (92) من الدستور وصولا إلى تحديد معنى الأغلبية المطلقة في انتخاب رئيس مجلس الأمة، حيث ذهبت المحكمة إلى أن تطبيق المادة (92) من الدستور في هذه المسألة يكون قاصرا، بما يلزم معه الرجوع للمادة (97) من الدستور. وعن نص هذه المادة، قالت المحكمة الدستورية أنه "يرسي الأصول العامة التي تهيمن على قرارات المجلس".
وقبل أن انتقل إلى الحديث حول طبيعة النظام الذي تبناه المشرع الدستوري في إطار العلاقة بين سلطات الدولة وتأثير هذا النظام على موضوع الدراسة، أود أن أعرض هنا ما خلصت إليه المحكمة الدستورية في شأن كيفية تفسير نصوص الدستور، وكيفية التعامل مع تلك النصوص في حالة الشك بوجود تعارض بينها، نظرا لفائدته في إطار فهم نصوص الدستور.
تقول المحكمة الدستورية في قرارها الصادر في طلب التفسير رقم (10) لسنة 2002 بتاريخ 2 فبراير عام 2003، وهي بصدد بيان ضوابط تفسير نصوص الدستور ".. وكان من المسلم به أن التوفيق بين النصوص كمنهج أصيل في التفسير يعني التقريب بين النصوص وترجيح الفهم الذي لا يقوم به التعارض بين أي منهما والآخر. وفي إطار إعمال نصوص الدستور والتوفيق بين أحكامها جميعا، فإن أصول التفسير توجب إعمال قواعد التخصيص والتقييد المتبادل بين أحكام الدستور، بما يجعل بعضها يفسر بعضا، فالنصوص لا يفهم بعضها بمعزل عن البعض الآخر، وإنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء دلالة باقي النصوص، الأمر الذي يتطلب إمعان النظر إلى تلك النصوص جميعها بوصفها متآلفة فيما بينها، متجانسة معانيها، متضافرة توجهاتها، بما لا تنفلت معها متطلبات تطبيقها، أو يبتعد بها عن الغاية المقصودة...". وتضيف المحكمة "استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية وفقا لمناهج التفسير إنما يقتضي دوما التوفيق بين النصوص باعتبارها محددات ومكملات بعضها للبعض، وترجيح المفاد الذي لا يقوم به التعارض بين أي منهما والآخر، وأنه إذا وجد أكثر من وجه لفهم المعنى أحدهما يجعل النص مشوبا بالتناقض ويؤدي إلى إبطال حكمه، والآخر يرفع هذا التناقض ويؤدي إلى إعماله تعين الالتزام بهذا الوجه لإعمال مقتضاه، ما دامت عبارة النص تحتمل هذا الفهم بحسبان أن إعمال النصوص خير من إهمالها، وأن المشرع إذا وضع نصا دستوريا فقد وجب التزامه ويمتنع مخالفته". وتضيف أيضا "ولا مراء في أن نصوص الدستور تستوي على قمة القواعد الآمرة، مما يتعين التزامها، وأن تلك النصوص لا تتعارض أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار نسيج متماسك ينتظمها، وأن الاعتبارات العملية ليس من شأنها تغيير أحكام الدستور أو تعديل الاستدلال عليها، بتفسير نصوصها تفسيرا يصرفها إلى غير معناها، أو يفرغها من مضمونها.. وأنه لا محل لقالة إلغاء نصوص الدستور بعضها لبعض، إذ أن لكل نص منها مضمونا قائما بذاته لا ينعزل عن غيره من النصوص أو ينفك عنها أو ينافيها أو يسقطها بل يتساند معها في تحقيق الأغراض التي ترنو إليها وتجمعها المقاصد الكلية المنشودة منها".
ثانيا: طبيعة النظام الذي تبناه المشرع الدستوري في إطار العلاقة بين سلطات الدولة
من الخطأ أن نحاول فهم أو تفسير النصوص الدستورية بمعزل عن بعضها، فنصوص الدستور ليست شتاتا بلا غاية، وليست أوامر منفصلة عن بعضها، بل هي مجموعة من القواعد يجب تفسيرها تحت مظلة واحدة. وحين يقال أن المادة (116) من الدستور تتطلب حضور الحكومة كشرط لصحة اجتماعات مجلس الأمة، وأن غياب الحكومة، المتعمد أو المعذور، يرتب فقدان النصاب وعدم انعقاد اجتماعات المجلس، فإن هذا القول يعني أن للحكومة، منفردة، أن تتحكم وتسيطر على عقد اجتماعات المجلس. فهي إن أرادت للمجلس أن يجتمع، حضرت الجلسة، وإن أرادت إلغاء اجتماع المجلس امتنعت عن حضور الجلسة. ولا يمكن وصف هذا الفهم سوى بأنه فهم شاذ لا ينسجم أبدا مع جوهر النظام السياسي والتنظيم الدستوري الذي وضعه الدستور. فحين تكون السيادة للأمة، وحين تكون الأمة هي مصدر السلطات جميعا، وحين تكون الكلمة الأخيرة في التشريع والرقابة هي لمجلس الأمة، وحين تكون الكلمة الأخيرة في تعيين ولي العهد لمجلس الأمة، وحين تكون الكلمة الأخيرة في تعيين رئيس الدولة، في حالة التعيين المباشر، هي لمجلس الأمة، وحين يكون لمجلس الأمة حق نزع الثقة من الوزير وحق إصدار قرار بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء.. فهل يستقيم، بعد ذلك كله، القول بأن للحكومة الحق في منع انعقاد جلسات مجلس الأمة من خلال الغياب عن الجلسات؟!
إن القول بحق الحكومة في تعطيل انعقاد اجتماعات مجلس الأمة هو خروج صارخ عن جوهر الدستور، وانتهاك صريح لمبدأ سيادة الأمة وديمقراطية الحكم.
تنص المادة (6) من الدستور على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور". إن مبدأ ديمقراطية الحكم، ومبدأ سيادة الأمة، ليسا مجرد شعارات سياسية براقة كي يتم التعامل معها باعتبارها "ديكورات دستورية" تزين صدر الدستور، بل هي مبادئ أساسية تهيمن على تفاصيل النظام السياسي والتنظيم الدستوري للحكم وللعلاقة بين السلطات العامة. فمبدأ سيادة الأمة هو المبدأ العام الذي يحكم العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة، وفي ظل هذا المبدأ لا يجوز منح الحكومة أي مزية دستورية توفر لإرادتها التفوق على إرادة الأمة التي يمثلها مجلس الأمة، أو تجعل كلمتها تعلو على كلمة مجلس الأمة.
ولو أننا أمعنا النظر في كافة النصوص الدستورية المنظمة للعلاقة بين مجلس الأمة والحكومة، سنجد أن المشرع الدستوري استجاب إلى مبدأ سيادة الأمة وذلك بتغليب إرادة المجلس على إرادة الحكومة، بل أن الدستور جعل إرادة مجلس الأمة في التشريع والرقابة هي الإرادة النهائية. ففي إطار التشريع فإنه وإن كان يحق لرئيس الدولة أن يطلب إعادة النظر في مشروع القانون الذي أقره المجلس، إلا أنه متى ما أصر المجلس على إقرار القانون بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم، فلابد من صدور القانون (المادة 66). أما في إطار الرقابة على أعمال الحكومة، فإن الدستور يخضع رئيس مجلس الوزراء والوزراء لمحاسبة مجلس الأمة من خلال الاستجواب (المادة 100)، وحق مجلس الأمة في نزع الثقة عن الوزير وإصدار قرار بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (المادة 101 والمادة 102). بل أنه إذا قرر الأمير حل مجلس الأمة في أعقاب قرار من مجلس الأمة بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وأصر المجلس الجديد على عدم التعاون، فليس لرئيس الدولة سوى القبول بالأمر وتعيين رئيس وزراء آخر.
إن النصوص الدستورية التي تضع إرادة الأمة فوق إرادة غيرها، متعددة تأتي جميعها استجابة لمبدأ سيادة الأمة، فهل يجوز القول أن للحكومة أن تعطل جلسات المجلس؟!
ولو أننا تمعنا في نص المادة (86) من الدستور لوجدنا أن الدستور يوجب صدور مرسوم أميري بدعوة مجلس الأمة لانعقاد دوره العادي خلال شهر أكتوبر من كل عام، لكن إذا لم يصدر هذا المرسوم قبل أول شهر أكتوبر، اعتبر موعد الانعقاد الساعة التاسعة من صباح السبت الثالث من ذلك الشهر. فإذا كان الدستور يأمر بانعقاد مجلس الأمة في موعد محدد في بداية دور الانعقاد تحسبا لعدم إصدار مرسوم الدعوة إلى الاجتماع، فهل يعقل أن يرهن هذا الدستور انعقاد الجلسات العادية بموافقة أو حضور الحكومة؟!
ولو أننا تمعنا أيضا في نص المادة (87) من الدستور لوجدنا أنه إذا لم يصدر مرسوم الدعوة لأول اجتماع لمجلس الأمة بعد الانتخابات العامة للمجلس خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات، يعتبر المجلس مدعوا للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين، فهل يعقل أن يتخطى الدستور عقبة إصدار مرسوم أميري لاجتماعات مجلس الأمة، ثم يشترط حضور الحكومة لصحة تلك الاجتماعات؟!
ولو أننا تمعنا في نص المادة (107) من الدستور لوجدنا أنه إذا حل رئيس الدولة مجلس الأمة ولم تتم انتخابات المجلس الجديد خلال شهرين من تاريخ الحل، يسترد مجلس الأمة المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، فهل يعقل أن يتعامل الدستور مع المرسوم الأميري بحل مجلس الأمة باعتباره كأن لم يكن إذا لم تتم الانتخابات الجديدة في الموعد الدستوري، ثم يشترط حضور الحكومة لصحة اجتماعاته؟!
ولو أننا تمعنا في نص المادة (106) من الدستور، لوجدنا أنها تجيز للأمير، بمرسوم، تأجيل اجتماع مجلس الأمة لمدة لا تجاوز شهرا، فما هي جدوى هذه المادة إذا كان بإمكان الحكومة، وفق التفسير الشاذ للمادة (116)، أن تمتنع عن حضور جلسات المجلس فتعطل أعماله لمدة غير محددة؟!
حاصل القول، وفي حدود نصوص المواد التي عرضناها قبل قليل، فأنه إذا كان الدستور وضع ضمانات كافية لانعقاد مجلس الأمة بعد الانتخابات أو في أدوار الانعقاد التالية، أو إذا لم تم الانتخابات وفق المادة (107)، وكانت هذه الضمانات كلها تتخطى صدور المراسيم الأميرية اللازمة في حال عدم صدورها، فهل يمكن تعليق انعقاد جلسات مجلس الأمة على حضور الحكومة؟ لو قلنا نعم، لابد من حضور الحكومة، فإن هذا يعني أن كل النصوص الدستورية السابقة هي من قبيل اللغو. فإذا كان الدستور في المادة (107)، على سبيل المثال، يأمر باسترداد مجلس الأمة المنحل كافة سلطته الدستورية وكأن الحل لم يكن، فإنه بإمكان الحكومة أن تمتنع عن حضور الجلسات فلا تنعقد اجتماعات مجلس الأمة، وهكذا تفرغ النصوص الدستورية من مضمونها وتتحول إلى عبث ولغو، وهذا بالطبع غير مقبول على الإطلاق.
نخلص مما سبق كله إلى أن التفسير الصحيح للفقرة الأخيرة من المادة (116) من الدستور هو ذلك التفسير الذي ينسجم مع النظام السياسي والتنظيم الدستوري للعلاقة بين السلطات العامة، فنظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها، وهذا مبدأ جوهري من المبادئ الدستورية، والقول بحق الحكومة في عدم حضور جلسات مجلس الأمة وبالتالي عدم انعقاد اجتماعات المجلس، يعني في الواقع إهدار لمبدأ الفصل بين السلطات، وإهدار لمبدأ التعاون الدستوري على نحو يهدم أركان الدستور الأخرى.
ثالثا: على ضوء ما جرى عليه العمل بشأن أثر عدم حضور الحكومة
أشرت في مقدمة الدراسة إلى أنه يمكن لمن يريد إغلاق باب النقاش حول تاثير عدم حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة أن يدعي بوجود (عرف مستقر) يفيد بأن حضور الحكومة جلسات المجلس يعتبر شرطا لصحة اجتماعاته، وأنه بالتالي، يبطل أي قرار يتخذه مجلس الأمة في جلسة لم تمثل فيها الحكومة. وأشرت أيضا إلى أن لهذا القول وجاهته، لكن الجزم به يستدعي التروي. فالعرف الدستوري، فضلا عن اختلاف الرأي فيه، يحتاج القول بوجوده إلى شروط وضوابط. وقبل أن نبين رأينا في مدى وجود عرف دستوري ينظم المسألة محل هذه الدراسة، يلزم الانتباه إلى أن الدستور الكويتي هو دستور مكتوب وجامد. كما علينا معرفة أن العرف لا يمكن أن ينشأ بالمخالفة لنص دستوري. كما أنه من المقرر أيضا أن النصوص الدستورية لا تسقط بمرور الزمن. فضلا عن ذلك، فإن الغلط في فهم وتطبيق النص الدستوري، وإن استطال ردحا من الزمن، لا يحول دون استرداد الفهم الصحيح وبالتالي التطبيق الصحيح لهذا النص. وليس بوسع أي سلطة الزعم بوجود "حق مكتسب" لها في التطبيق الخاطئ لنصوص الدستور.
ويرى الدكتور عبدالفتاح حسن أن العرف هو "تواتر العمل وفقا لمسلك معين في أحد الموضوعات الدستورية بحيث يكتسب هذا المسلك صفة الالزام. ثم يضيف "أن العرف، كمصدر للقاعدة الدستورية، له ركنان، لا تظهر القاعدة الدستورية العرفية إلا بتوافرهما معا: (أ) ركن مادي: وهو يظهر في اضطراد السلطات العامة، سواء في علاقاتها فيما بينها، أو في علاقاتها بالأفراد، على اتباع مسلك معين (واقعي أو قانوني)، وذلك دون اعتراض من إحداهما ودون اعتراض من جانب أفراد الجماعة. (ب) ركن معنوي: أن يستشعر الجميع، السلطات العامة والأفراد، إن هذا المسلك قد صار واجب الاحترام، أي ملزما، وهو ما ينبع من تواتر العمل عليه مدة طويلة".
ويرى الدكتور عادل الطبطبائي أن الدستور الكويتي يعترف بالعرف كمصدر للقواعد الدستورية، لاسيما أن هذا الدستور دستور مختصر "يسمح بظهور العرف الدستوري إلى جواره ليفسر نصوصه أو يكملها أو ينشئ قواعد جديدة تقف إلى جانب نصوصه ولا تعارضه"، ويضيف "والواقع أن العرف الدستوري أصبح اليوم حقيقة قانونية في النظام الدستوري الكويتي، إذ أن جانبا من النظام الدستوري يقوم أساسا على القواعد العرفية التي تكونت خلال السنوات التالية لبدء العمل بأحكام الدستور".
والعرف الدستوري (المفسر) لا يظهر إلا في حالة غموض النص الدستوري الذي ينظم مسألة ما، فيأتي العرف المفسر ليقدم تفسيرا لهذا النص الغامض، وبالتالي فإذا كان النص واضحا وصريحا، فإنه لا مجال للقول بوجود عرف مفسر له. أما العرف الدستوري (المكمل) فهو يظهر حين يوجد نقص في التنظيم الدستوري للمسألة، فيأتي العرف المكمل ليضيف إلى النص الدستوري ما ينقصه. أما العرف (المنشئ) فإنه لا يظهر إلا في حالة خلو الدستور من تنظيم للمسألة، فيظهر عرف منشئ ليخلق قاعدة دستورية جديدة.
ويورد الدكتور عادل الطبطبائي مثالا على العرف الدستوري المفسر حيث يقرر "أن الدستور لم يقصد منع أصحاب المهن الحرة من تولي منصب الوزارة، ولكن يمنع على صاحب المهنة الحرة ممارستها منذ لحظة توليه مهام منصبه الوزاري، ولقد شهدت الوزارات الكويتية المتعاقبة منذ عام 1965 دخول كثير من أصحاب المهن الحرة، لاسيما التجار، في صفوفها، مما يمكن معه القول بقيام عرف دستوري مفسر مؤداه أن المادة المذكورة (ويقصد المادة 131 من الدستور) تجيز اختيار الوزراء من بين اصحاب المهن الحرة".
أما بالنسبة للعرف المكمل، فيقدم الدكتور عادل الطبطبائي مثالا له وهو "ما استقر عليه العمل من قيام الأمير بإلقاء نطق أميري عند افتتاح كل دورة عادية لمجلس الأمة".
أما بالنسبة للعرف الدستوري المنشئ، فيقدم الدكتور عادل الطبطبائي مثالا له وهو "أن الشكاوى والعرائض التي يتقدم بها المواطنون، وتدرسها لجنة الشكاوى والعرائض في المجلس، يتم إحالتها دون مناقشة إلى الحكومة إذا أقرتها اللجنة".
وهكذا نرى أنه لا مجال للقول بوجود عرف مفسر أو مكمل أو منشئ متى كان هناك نص دستوري واضح وصريح يعالج المسألة المطروحة مهما تواتر العمل واستقر على تطبيق خاطئ للنص الدستوري، فهذا التطبيق المخالف للنص الدستوري لا يكتسب الصحة بمرور الزمن.
وقد يرى البعض أن الدستور الكويتي يتيح المجال لظهور العرف الدستوري (المعدل)، أي الذي يعدل النص الدستوري القائم، سواء بالحذف منه أو بالإضافة إليه. وهذا القول في رأينا غير سديد، فالعرف المعدل "هو الذي ينشأ إلى جوار نصوص الدستور المكتوب فيعدل في أحكامها تعديلا جوهريا بحيث تتغير الفكرة التي قامت عليها أصلا".
ويرى الدكتور طعيمة الجرف أنه "ليس للعرف الدستوري أية قيمة قانونية يمكن أن يرتبها على خلاف النصوص المدونة في الدساتير المكتوبة، لأن القول بغير ذلك معناه- كما أكد الأستاذ فيدل- وجوب التخلي عن فكرة الدستور المكتوب (أي الدستور في معناه الرسمي) ما دام القانون الدستوري يمكن أن يستمد قواعده من واقعة الاعتداء على نصوص هذا الدستور كما يستمدها من احترام نصوصه".
ويذهب الدكتور عادل الطبطبائي إلى القول "والواقع أنه لا يمكننا التسليم بوجود عرف دستوري معدل في الكويت، لكونه يغير من طبيعة النظام الدستوري التعاقدي الذي يقوم على أساس توزيع متوازن للاختصاصات بين الحكومة والبرلمان، وقيام عرف معدل لابد وأن يرجح كفة اختصاصات طرف على حساب طرف آخر، الأمر الذي يتعارض مع طبيعة النظام الذي أوجده الدستور".
ودعما لرأينا المعارض لفكرة العرف الدستوري المعدل بالحذف أو بالإضافة، نقول لقد تم حل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور وتعطيل أعمال مجلس الأمة وإهدار مبدأ الفصل بين السلطات ودمج السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذي.. لقد حدث هذا مرتين، الأولى في العام 1976 والثانية في العام 1986 وقد استمر ذلك الوضع الشاذ نحو خمس سنوات في كل مرة، فهل يمكن القول أنه أصبح لدينا عرف دستوري معدل عن طريق الإضافة يجيز حل مجلس الأمة وتعليق العمل بالدستور؟!
وهل يمكن القول أن تعامل مجلس الأمة مع المراسيم بالقوانين التي صدرت في فترة تعطيل مجلس الأمة باعتبارها مراسيم ضرورة يعني قبول مجلس الأمة "بعرف الحل غير الدستوري"؟!
بالطبع لا مجال للموافقة على ذلك.
الخلاصة
نخلص مما سبق إلى أنه، وأيا كان وجه الرأي في تواتر العمل على اعتبار حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة شرطا لصحة اجتماعات مجلس الأمة، وأيا كان الرأي بشأن موافقة أو اعتراض مجلس الأمة على هذا الأمر، فإنه لا يمكن القول أن تواتر العمل قد أنشأ عرفا دستوريا معدلا لنص المادة (97) من الدستور التي لم تشترط لصحة اجتماعات مجلس الأمة سوى حضور أكثر من نصف الأعضاء في الزمان والمكان المقررين للاجتماع. كما لا يمكن أن يقال بأن تواتر العمل هذا يعني أنه قد ظهر عرف دستوري مفسر لنص الفقرة الأخيرة من المادة (116) على نحو يؤدي إلى القول بأن تلك الفقرة تعني وجوب حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة لصحة انعقادها، فتلك المادة، كما أوضحنا من قبل، تتضمن خطابا ملزما للحكومة مفاده أنه لا يجوز أن يمثلها في جلسات المجلس غير الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء، بما مؤداه عدم جواز خروج استعانة رئيس مجلس الوزراء والوزراء بكبار الموظفين عن نطاقها فتصل إلى حد تكليفهم بتمثيل الحكومة في الجلسات.
وإذا كان الدستور يرهن عقد أولى جلسات مجلس الأمة بعد الانتخابات بصدور مرسوم أميري، أي بإرادة أميرية، ويحدد موعدا يوجب صدور هذه الإرادة قبل حلوله، ثم يحتاط لعدم صدور المرسوم الأميري بدعوة المجلس للانعقاد فيقرر عدم منح الامتناع عن إصدار المرسوم أي قيمة، ويتيح للمجلس عقد جلسته الأولى رغم عدم صدور المرسوم..
وإذا كان الدستور أيضا يرهن عقد مجلس الأمة أولى جلساته في أدوار الانعقاد التالية بصدور مرسوم أميري بالدعوة إلى الاجتماع، ثم يحتاط أيضا لحالة امتناع الأمير عن إصدار المرسوم ويتيح للمجلس الاجتماع في موعد محدد حتى ولو لم يصدر المرسوم..
وإذا كان الدستور يرهن مشروعية المرسوم الأميري الصادر بحل مجلس الأمة بصدور مرسوم اميري آخر بالدعوة إلى الانتخابات الجديدة وإجرائها خلال شهرين من تاريخ صدور مرسوم الحل، ثم يحتاط أيضا لحالة امتناع الأمير عن إصدار مرسوم الدعوة للانتخابات الجديدة في الموعد المحدد فيقرر استرداد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويعتبر مرسوم الحل كأن لم يكن، ويدعو المجلس المنحل للاجتماع فورا ..
فإذا كان الدستور لم يرهن عقد اجتماعاته بموافقة رئيس الدولة عن طريق إصدار المراسيم الأميرية المطلوبة، فهل من المقبول عقلا ومنطقا أن ترهن الفقرة الأخيرة من المادة (116) من الدستور التي تنص على أنه ".. ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها" صحة اجتماعات مجلس الأمة بحضور الحكومة؟!
إن اعتبار حضور الحكومة شرطا لصحة اجتماعات مجلس الأمة هو مخالفة دستورية تواتر العمل عليها لمدة طويلة، وليس هناك سند دستوري يجيز تحويل (المخالفات الدستورية) إلى (أعراف دستورية) ملزمة، منشئة أومفسرة أو مكملة أو معدلة بالحذف أو بالإضافة، وبالتالي فليس هناك، في رأينا، ما يحول بين مجلس الأمة وبين عقد اجتماعاته في الزمان والمكان المقررين من دون حضور الحكومة متى حضر أكثر من نصف الأعضاء.
وفي الختام، لنا كلمة أخيرة..
إذا كنا قد انتهينا إلى أن عدم حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة لا يبطل اجتماعاته، فإن الوجه الآخر لهذه النتيجة هو أن الحكومة، كأصل عام، غير ملزمة بحضور جلسات المجلس، أو أنه يكفي أن تمثل بوزير واحد. لذلك فإنه قد يكون من الملائم سياسيا، وبعد أن طرحنا رأينا الدستوري في مسألة حضور الحكومة اجتماعات مجلس الأمة على النحو الذي انتهينا إليه، وفي محاولة لإعادة تنظيم وصياغة العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة، ونحن في خضم الفوضى السياسية التي تنتاب العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة منذ سنوات طويلة.. فوضى أرهقت الدولة، وحرفت مسار العمل السياسي عن موضعه، وتسببت في حالة من عدم الاستقرار الوزاري، بل وعدم الاستقرار البرلماني مما أدى إلى حالة من التشذرم والتبعثر السياسي للدولة.. نقول لعله من المناسب أن نناقش مسألة حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة، ليس من وجهة نظر دستورية، بل من وجهة نظر سياسية، إذ قد يكون من الملائم سياسيا أن تكتفي الحكومة في جلسات مجلس الأمة بحضور ممثل عنها، أي أن تمثل بوزير واحد فقط، إلا في الحالات التي يتطلبها الدستور، أو في حالة التصويت على مشروع أو اقتراح بقانون يحظى بأهمية، أو في حالة رغبة الحكومة في تقديم بيانات وشرح سياسات، وذلك كي نتمكن من تطوير خطاب مجلس الأمة، وكي نتخلص من الجدل العقيم والمساجلات التي تشهدها جلسات المجلس بين النواب والوزراء.. على أي حال، فإن هذا الموضوع، وموضوعات أخرى ذات صلة بالعلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة، تحتاج إلى تعليق سياسي في مناسبة أخرى.